ترامب يحوّل محادثات التجارة إلى أداة ضغط في السياسة الخارجية
لم تعد محادثات التجارة في عهد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تدور حول خفض الرسوم الجمركية أو تسهيل حركة السلع والخدمات عبر الحدود. بل تحولت إلى قائمة أمنيات في السياسة الخارجية، تشمل كل شيء: من موازنات الدفاع لدى حلفاء واشنطن، إلى السياسات الرقمية، وحتى الصراعات الدولية الكبرى.
منذ أن فرض ترامب في أبريل الماضي رسوماً جمركية شاملة على معظم شركاء أمريكا التجاريين، أصبحت المفاوضات التجارية ساحةً يضغط فيها الرئيس لتحقيق أهداف أوسع نطاقاً. في اجتماعات مغلقة، طالب كبار المسؤولين في إدارته حكومات أجنبية برفع إنفاقها العسكري، أو تعديل قوانينها الضريبية، أو وقف تشريعات محلية يرى البيت الأبيض أنها تهدد مصالح الشركات الأمريكية. حتى اتفاقات وقف إطلاق النار التي توسطت فيها واشنطن، مثل الهدنة بين إسرائيل وإيران، استُخدمت كورقة ضغط لحث دول أخرى على شراء مزيد من المنتجات الأمريكية.
«الوصول إلى السوق الأمريكية يجب أن يكون مكلفاً»، هكذا صرّح ستيف كورتيس، مستشار ترامب السابق. «من المنطقي تماماً ربط ذلك بالسياسة الخارجية. لماذا لا نفعل ذلك؟»
مفاوضات متشابكة
يقول كورتيس إن حلفاء الولايات المتحدة يواجهون واقعاً جديداً: إما أن يقبلوا بشروط ترامب، أو يتحملوا تبعات رسوم جمركية مؤلمة. «عليك فقط أن تقرر: هل الأمر يستحق العناء؟ إذا كان يستحق، حسنًا، التزم بقواعدنا.»
وقد ألغى ترامب يوم الجمعة مفاوضات التجارة مع كندا، بعد أن مضت أوتاوا قدماً في فرض ضريبة على الخدمات الرقمية تستهدف عمالقة التكنولوجيا الأمريكيين. ووصف الرئيس الخطوة بأنها «هجوم مباشر وسافر على بلدنا».
الرسوم الجمركية كسلاح ضغط
تستخدم إدارة ترامب الرسوم الجمركية ليس فقط كوسيلة لحماية الصناعات المحلية وزيادة الإيرادات، وإنما أيضاً كوسيلة ضغط لتحقيق أهداف غير تجارية. في قمة الناتو في هولندا هذا الأسبوع، هدد ترامب بفرض رسوم جديدة على إسبانيا بعد رفضها رفع إنفاقها الدفاعي بما يتماشى مع التزامات الحلف. وفي مفاوضاته مع اليابان وكوريا الجنوبية، ربط ترامب المسائل التجارية بالتزام الدولتين بزيادة موازناتهما الدفاعية إلى مستوى 5% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو ما رفضتاه حتى الآن.
وقال ترامب هذا الشهر: «الولايات المتحدة تنفق حوالي 3.4% من ناتجها المحلي الإجمالي على الدفاع. لن نصل إلى 5%. لكننا نريد من حلفائنا فعل ذلك».
كما ضغط ترامب على كندا للانخراط بشكل أكبر في مشروع الدفاع الصاروخي الأمريكي المعروف باسم «القبة الذهبية»، وطرح ذلك كشرط ضمن المفاوضات التجارية الجارية، رغم أن الولايات المتحدة تعتمد تقنياً على كندا في تصنيع أجزاء حيوية من النظام.
مطالب تتخطى التجارة
ولم تتوقف قائمة مطالب ترامب عند الدفاع أو الضرائب. ففي مفاوضاته مع كوريا الجنوبية، ضغطت واشنطن للتخلي عن تشريعات مكافحة الاحتكار التي تستهدف منصات التكنولوجيا الكبرى مثل غوغل وآبل وميتا. كما ضغطت على المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي للتراجع عن ضرائب رقمية تراها شركات التكنولوجيا الأمريكية مجحفة.
وفي خطوة أثارت دهشة الدبلوماسيين، اقترح ترامب هذا الأسبوع أن تشتري الصين كميات أكبر من النفط الأمريكي كـ«شكر» على وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران، في حين يواصل الضغط على بكين لزيادة وارداتها من السلع الأمريكية عموماً. كما ألمح إلى أنه استخدم التهديد بحروب تجارية للتوسط في تهدئة التوتر بين الهند وباكستان في الربيع الماضي، رغم اعتراض الهند على مثل هذا التدخل.
هذا النهج ليس جديداً تماماً في سياسات ترامب. خلال ولايته الأولى، هدد الرئيس بفرض رسوم باهظة على المكسيك لإجبارها على الحد من تدفق المهاجرين، وفرض رسوماً جمركية على الصين بسبب «ممارسات غير عادلة» في التجارة وسرقة الملكية الفكرية.
لكن في ولايته الثانية، أصبحت الاستراتيجية أكثر تطرفاً وشمولاً. ففي فبراير، فرض ترامب رسوماً جمركية على المكسيك وكندا والصين للحد من تهريب الفنتانيل والمهاجرين غير الشرعيين. وفي أبريل، هدد بفرض رسوم إضافية بنسبة 25% على أي دولة تستورد النفط من فنزويلا، في محاولة لعزل الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو.
تداعيات على الاقتصاد والسياسة
يقول مسؤول أوروبي مطّلع على المفاوضات: «إذا أصبحت الاتفاقيات غير متوازنة إلى هذا الحد، فسوف تواجه رفضاً شعبياً واسعاً. لا يمكن لأي حكومة أن تسوّق لاتفاقية يُنظر إليها كإملاءات أمريكية».
ومع ذلك، لا يظهر أي مؤشر على أن ترامب ينوي تغيير أسلوبه. يقول باتريك تشيلدريس، مساعد المستشار العام السابق للممثل التجاري الأميركي: «لا أرى أي دليل على تراجع الإدارة عن هذا النهج أو تقليصه».
وهكذا، بينما يسعى قادة العالم إلى تهدئة التوترات التجارية، يجدون أنفسهم عالقين في شبكة مطالب ترامب، التي تمتد إلى كل زاوية من زوايا السياسة العالمية. والنتيجة: مستقبل تجاري عالمي أكثر غموضاً، وتحالفات دولية على المحك.