العثور على أكبر مقبرة جماعية لضحايا مليشيا الدعم السريع في السودان
كشفت صحيفة الغارديان البريطانية في تقرير لها، عن تعرض أكثر من 500 شخص للتعذيب والتجويع حتى الموت قبل دفنهم في مقبرة جماعية سرية شمال الخرطوم.
وكشف التقرير عن مركز احتجاز غير معروف سابقًا تابع لقوات الدعم السريع (RSF) عُثر داخله على أصفاد معلقة على الأبواب، وغرف تعذيب واضحة المعالم، وآثار دماء على الأرضيات. كما أكدت شهادات معتقلين سابقين أنهم تعرضوا لتعذيب متكرر من قِبل خاطفيهم.
بالقرب من ذلك، تم العثور على موقع دفن كبير يحتوي على 550 قبرًا على الأقل، معظمها غير معلمة، والعديد منها حُفر حديثًا، وبعضها على ما يبدو يحتوي على عدة جثث.
ويُعتبر هذا الموقع أكبر مقبرة جماعية مكتشفة في السودان خلال الحرب الأهلية، وإذا تأكد ذلك، فقد يمثل واحدة من أسوأ جرائم الحرب في الصراع السوداني الوحشي.
الأشخاص الذين تم إنقاذهم من مركز الاحتجاز على الجانب الجنوبي من القاعدة، والتي تقع على بعد حوالي 70 كيلومترًا شمال العاصمة الخرطوم، قالوا إن العديد من المعتقلين ماتوا في الداخل، ويُعتقد أنهم دُفنوا في مكان قريب.
وأكد فحص الأطباء للناجين ظهور العديد من علامات التعذيب وسوء التغذية الحاد لديهم.
وكانت قوات الدعم السريع قد استولت على هذه القاعدة قرب قرية “قري” وحولتها إلى مركز قيادة وتدريب بعد بدء المواجهات مع الجيش السوداني قبل نحو عامين. وأكدت صور الأقمار الصناعية ومصادر عسكرية عدم وجود أي قبور في الموقع قبل اندلاع الحرب في 15 أبريل 2023.
وكشفت منظمة “هيومن رايتس ووتش”، التي حققت في انتهاكات الحرب في جميع أنحاء السودان، أن هذا الموقع قد يكون “واحدًا من أكبر مواقع جرائم الفظائع المكتشفة في السودان منذ بدء الحرب”، ودعت المنظمة للسماح لمحققي الأمم المتحدة المختصين بجرائم الحرب بالوصول إليه.
وقال الدكتور هشام الشيخ، الذي فحص 135 رجلاً عُثر عليهم بعد استعادة الجيش السوداني للموقع في أواخر يناير الماضي، إن الأدلة الطبية على التعذيب وسوء التغذية المزمن كانت واسعة الانتشار. وأضاف أن الرجال الذين عُثر عليهم كانوا جميعًا من المدنيين، وكانوا مصدومين لدرجة أن العديد منهم لم يتمكنوا من التحدث.
وأضاف “عندما وصلنا إلى هناك لم يكن بإمكانهم حتى المشي، اضطررنا لحملهم للخارج. كانت تظهر عليهم آثار ضرب شديد وتعذيب. بعضهم أصيب بجروح خطيرة جراء التعذيب.”
وتابع: “تعرض بعضهم لإطلاق نار في الساق، وضُربوا بالعصي مما ترك آثارًا واضحة على أجسادهم. الجميع تعرض للتعذيب.”
وروى أحد الرجال أنه تعرض للضرب المتكرر من قبل حراس قوات الدعم السريع حتى أصبح يجلس دائمًا في وضعية الجنين لحماية نفسه. وقال في إفادته للطاقم الطبي للجيش السوداني:
“كانوا يضربونني في الصباح والمساء، كانوا يميزون ضدي. اعتدت على الجلوس وركبتاي مطويتان لدرجة أنني لم أعد قادرًا على مد ساقي للمشي.”
وتثير هذه الاكتشافات تساؤلات بشأن مصداقية قوات الدعم السريع، بعد أيام قليلة من توقيعها على ميثاق سياسي في كينيا لتشكيل حكومة سودانية موازية في المناطق التي تسيطر عليها.
وأكدت صور الأقمار الصناعية أن القبور ظهرت فقط بعد بدء الحرب وسيطرة قوات الدعم السريع على الموقع. صورة التُقطت بعد أسابيع قليلة من بدء الحرب لم تظهر أي قبور بجانب طريق ترابي داخل القاعدة، بينما أظهرت صورة لاحقة التُقطت في 25 مايو 2024 عددًا كبيرًا من التلال تمتد لمسافة حوالي 200 متر.
وقال النقيب جلال أبكر، من الجيش السوداني، إنه كان يخدم في قاعدة “قري” حتى اندلاع الحرب عام 2023، مؤكدًا أنه لم يكن هناك موقع للدفن في ذلك الوقت. وأضاف: “كنت هناك حتى رمضان من ذلك العام (من 22 مارس إلى 20 أبريل 2023)، ولم تكن هناك أي مقبرة”.
وقال الرقيب محمد أمين، المتمركز حاليًا في “قري”: “جميع الجثث المدفونة هناك ماتت داخل القاعدة”.
وأشار الدكتور الشيخ إلى أن الناجين تحدثوا عن معتقلين آخرين ماتوا في الداخل. وأضاف: “أخبرني كثير منهم أن العديد من الأشخاص توفوا داخل المعتقل، والكثير منهم ماتوا نتيجة التعذيب”.
وذكر ضابط رفيع المستوى في الجيش السوداني، العقيد بشير تاميل، أن المعتقلين وُجدوا وأيديهم وأرجلهم مقيدة. وأضاف: “كانوا في حالة سيئة للغاية، مع آثار وجروح واضحة على أجسادهم”.
وقال جان بابتيست غالوبين، من قسم الأزمات والصراعات والأسلحة في هيومن رايتس ووتش، إنه من الضروري أن تتعامل السلطات المسيطرة على القاعدة مع الموقع كمسرح جريمة حرب محتمل، وأن تبذل جهودًا فورية لجمع الأدلة وحفظها، بما قد يكون حاسمًا لتحقيق العدالة.
وحتى الآن يبدو أن الموقع محفوظ تمامًا دون السماح بالوصول العام إليه، ويحميه الجيش السوداني للحفاظ على الأدلة. ويأمل خبراء دوليون في مجال المقابر الجماعية بالسماح للمحللين المستقلين بالوصول إلى الموقع.
وقد حدثت العديد من أبشع الفظائع في هذه الحرب في منطقة دارفور غرب السودان، حيث تتهم قوات الدعم السريع والمليشيات العربية المتحالفة معها بتنفيذ عمليات تطهير عرقي. وفي وقت سابق من هذا العام، اتهمت الولايات المتحدة قوات الدعم السريع بارتكاب إبادة جماعية.
وتقوم المحكمة الجنائية الدولية حاليًا بالتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان في دارفور. وتم تقديم الأدلة التي كشفتها الغارديان حول الجرائم ضد الإنسانية إلى مكتب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية.
في المقابل، يُتهم الجيش السوداني أيضًا بارتكاب فظائع خطيرة ضد المدنيين، وقد فرضت الولايات المتحدة عقوبات على قادته.
ويعتقد مصدر عسكري أن قوات الدعم السريع لم تكن تتوقع أن يتم اكتشاف مركز الاحتجاز والمقبرة الجماعية قرب قرية “قري”. وحتى وقت قريب، كانت المجموعة تحتل مساحات واسعة من الأراضي في المنطقة، مما جعلها تعتقد أن الموقع آمن من الهجمات.