أسهم آبل تقفز 5% بعد تعهد تاريخي باستثمار 100 مليار دولار في التصنيع الأمريكي

قفز سهم شركة آبل بأكثر من 5% يوم الأربعاء، عقب إعلان الشركة نيتها استثمار 100 مليار دولار في التصنيع داخل الولايات المتحدة، في خطوة استراتيجية تهدف إلى تجنب الرسوم الجمركية المشددة التي فرضها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بنسبة 100% على واردات أشباه الموصلات.

ويمثل هذا التعهد دفعة كبيرة لجهود الإدارة الأمريكية لتوطين التصنيع، كما يعكس توجهاً جديداً لدى عمالقة التكنولوجيا الأميركيين للاستجابة للتغيرات في السياسات التجارية.

ارتفاع قياسي في قيمة السهم
أغلق سهم آبل عند 213.28 دولار، مرتفعًا بنسبة 5.1%، وهو ما ساعد على دفع مؤشر ناسداك، الذي تهيمن عليه شركات التكنولوجيا، للارتفاع بنسبة 1.21%. كما ارتفع مؤشر داو جونز الصناعي بنسبة 0.18%، وستاندرد آند بورز 500 بنسبة 0.73%.

آبل، ثالث أغلى شركة في العالم من حيث القيمة السوقية، كانت قد أعلنت في وقت سابق من هذا العام عن خطة استثمارية بقيمة 500 مليار دولار تشمل توظيف 20 ألف عامل في الولايات المتحدة. ومع الإعلان الجديد، يرتفع إجمالي استثمارات الشركة المخطط لها داخل البلاد إلى نحو 600 مليار دولار خلال أربع سنوات.

خطوة استباقية قبل فرض الرسوم الجمركية
يأتي إعلان آبل قبل يوم واحد فقط من دخول التعريفات الجمركية الجديدة التي فرضها ترامب حيز التنفيذ، والتي تشمل فرض رسوم بنسبة 100% على جميع أشباه الموصلات المستوردة. ومع ذلك، فإن هذه الرسوم لا تنطبق على الشركات التي باشرت بالفعل في إنشاء منشآت تصنيع داخل الولايات المتحدة أو التزمت بذلك، وهو ما يفسر توقيت إعلان آبل.

وصرّح دان إيفز، المدير الإداري في شركة “ويدبوش”، بأن هذه الخطوة “استراتيجية ذكية من الرئيس التنفيذي تيم كوك” مؤكداً أن الشركة اختارت حماية مصالحها عبر التقرب من صناع القرار في واشنطن.

تحديات الإنتاج المحلي وتكاليفه
لطالما ترددت الشركات الأمريكية الكبرى في تصنيع منتجاتها داخل الولايات المتحدة، بسبب ارتفاع تكاليف العمالة والمواد الخام، إضافة إلى العراقيل التنظيمية المعقدة. إلا أن الرسوم الجديدة أجبرت آبل على إعادة النظر في سلسلة التوريد الخاصة بها، خاصة مع التهديد بتضاعف أسعار المكونات الرئيسية المستوردة.

وتكمن المخاوف الأساسية لدى المستثمرين في أن تصنيع الأجهزة داخل الولايات المتحدة—مثل هاتف آيفون—سيؤدي إلى ارتفاع أسعار المنتجات النهائية للمستهلكين. إذ يبدأ سعر جهاز “آيفون 16 برو” الحالي من 1000 دولار، وتشير التقديرات إلى أن تكلفة التصنيع على الأراضي الأمريكية ستكون أعلى بما لا يقل عن 10 مرات.

وفي هذا السياق، قالت المحللة الاقتصادية إيبك أوزكارديسكايا من بنك سويسكوت: “رغم القلق بشأن زيادة التكاليف، شعر المستثمرون براحة أكبر لرؤية تيم كوك يتعامل بمرونة مع البيت الأبيض، مما يشير إلى الحفاظ على استقرار هوامش الربح”.

التركيز على الأتمتة بدلاً من العمالة
مع التوجه إلى التصنيع المحلي، من المتوقع أن تعتمد آبل على أنظمة الأتمتة والذكاء الاصطناعي لتقليل حاجتها إلى الأيدي العاملة، وبالتالي خفض التكاليف طويلة المدى. ووفقاً لتوقعات خبراء الصناعة، فإن المصانع الجديدة ستكون “ذكية” ومؤتمتة بشكل كبير.

خلفية سياسية وتجارية
يتزامن هذا الإعلان مع تصاعد التوترات التجارية بين الولايات المتحدة ودول آسيوية مثل الصين والهند. فإلى جانب الرسوم الجمركية على الرقائق، ضاعف ترامب أيضًا الرسوم على واردات الطاقة من الهند إلى 50%، ردًا على شرائها النفط الروسي.

في الوقت نفسه، تسعى الولايات المتحدة لتقوية قبضتها على قطاع أشباه الموصلات العالمي، في ظل التنافس الشرس مع تايوان وكوريا الجنوبية. وقد سُنّ “قانون الرقائق” عام 2022 لدعم هذا التوجه، عبر تقديم حوافز ضخمة للشركات التي تنتج داخل أمريكا.

سوق الرقائق في قلب المعركة
تعكس هذه الخطوات المتسارعة حجم السباق العالمي نحو السيطرة على صناعة الرقائق، خاصة في ظل انفجار الطلب الناتج عن الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته التوليدية. وتعوّل واشنطن على استعادة مكانتها القيادية في القطاع بعد تراجع طويل لصالح المصنعين الآسيويين.

وفي هذا السياق، قال ماثيو راتشيتر، رئيس أبحاث الأسهم في بنك “جوليوس باير” السويسري: “الاقتصاد الأمريكي أظهر مرونة كبيرة، ونمو عمالقة التكنولوجيا يعكس طفرة الذكاء الاصطناعي، والتي تتطلب بنية تحتية متينة لأشباه الموصلات”.

وتمثل خطوة آبل أحدث تجسيد لمرحلة جديدة من السياسات الصناعية الأمريكية، حيث يصبح توطين التصنيع أداة استراتيجية بيد الحكومة والشركات على حد سواء. وبينما تتطلع آبل إلى حماية أرباحها، ترى واشنطن في هذه الاستثمارات وسيلة لتعزيز الأمن القومي والاقتصادي في آنٍ واحد.

قد يعجبك ايضا