استطلاع: البريطانيون يحنّون إلى نظام الهجرة ما قبل بريكست

بعد تسع سنوات على استفتاء الخروج، يعود ملف الهجرة ليتحوّل إلى “حقل ألغام سياسي” في المملكة المتحدة.

فبحسب استطلاع جديد أجرته مؤسسة “More In Common” يفضّل البريطانيون—بفارق يقارب اثنين إلى واحد—”سياسة الهجرة التي كانت سارية قبل 2021″ على النظام الحالي الذي أُقيم بعد مغادرة الاتحاد الأوروبي.

إذ قال “41%” من المستطلعين إنهم يفضّلون “سياسة ما قبل بريكست”، مقابل “19%” فقط اختاروا “السياسة الحالية”. النتيجة تعاكس الوعد المركزي لمؤيدي الخروج، القائل إن مغادرة الاتحاد ستعيد “السيطرة على الحدود” وتؤدي إلى نظام “أكثر عدلًا”.

ويكشف الاستطلاع مفارقة لافتة: حين سُئل المشاركون عن النماذج المفضلة “بالأسماء”، حاز “”النظام الأسترالي القائم على النقاط”” أعلى تأييد صافٍ (“+46”). في المقابل، سجّل “”نظام الهجرة الحالي”” أدنى تأييد صافٍ (“-39”).

والمشكلة أن “النظام المعمول به فعليًا منذ بريكست هو نظام قائم على النقاط”. تشرح “جورجينا ستورج” من مرصد الهجرة بجامعة أكسفورد أن الناس غالبًا “لا يقيّمون التصميم المؤسسي للنظام بقدر ما يقيّمون نتائجه وانطباعاتهم عنه”، ما يشي “بفجوة معرفة واتصال” بين الحكومة والجمهور.

انعدام الرضا… عبر الطيف السياسي

عدم الرضا “عابر للأحزاب” لكن بدرجات متفاوتة. لدى “الخضر”، يفضّل “60%” العودة إلى ما قبل بريكست مقابل “16%” للنظام الحالي.

لدى “حزب العمال”، النسبة “46%” مقابل “—”، ولدى “الديمقراطيين الليبراليين” “49%” يميلون إلى النظام السابق. حتى أنصار “حزب الإصلاح” بزعامة نايجل فاراج—الأكثر تشدّدًا في الملف—لا يؤيدون الوضع القائم: “37%” يفضّلون ما قبل بريكست، و”21%” فقط يدعمون النظام الحالي، فيما قال “42%” إنهم “لا يعرفون”.

ووفق “صوفي ستويرز” (More In Common)، يرتبط هذا المزاج بـ””ارتفاع صافي الهجرة بعد 2020″ نتيجة إصلاحات التأشيرات وزيادة “عبور القوارب الصغيرة””، أكثر من كونه حنينًا لحرية التنقل الأوروبية بحد ذاتها.

“السيطرة” لم تُخفّض الهجرة

بلغ “صافي الهجرة” إلى المملكة المتحدة “431 ألفًا” في 2024—أعلى بكثير من مستويات العقد الثاني من الألفية حين تراوحت عادة بين “200 و300 ألف”، بحسب مرصد الهجرة.

وقد كانت الأرقام أعلى في “2022–2023” فيما سُمّي “”موجة بوريس”” نسبة إلى التغييرات التي قادها بوريس جونسون. وإلى جانب “فقدان البريطانيين حقوق العمل والعيش المتبادلة في أوروبا”، لم يلمس الناخبون “انخفاضًا فعليًا” في أعداد الوافدين، ما أفضى إلى وضع “لا أحد سعيد” لأسباب متباينة: المتشددون يرون أن السيطرة لم تتحقق، والمؤيدون لأوروبا يرون أن البلاد خسرت مزاياها دون مكاسب.

ويُحذّر الباحث “مارلي موريس” (معهد السياسات العامة) من “قراءة رغبوية” للنتائج: “الحنين” الظاهر هو “تقييم سلبي للنتائج الراهنة” أكثر منه تفويضًا صريحًا لإحياء حرية التنقل على النمط الأوروبي.

فحتى لو انتعشت شعبية “ما قبل بريكست” في المزاج العام، فإن “جدل العودة إلى حرية الحركة” سيستحضر الاعتراضات ذاتها التي حسمت استفتاء 2016، ولن يحلّ “مشكلة القوارب الصغيرة” التي لم تكن بارزة قبل الخروج.

اختبار للحكومة… ولا مكاسب تلقائية للمعارضة

بالنسبة للحكومة المحافظة، تشكّل النتائج “إدانة أداء” لا تمنح المعارضة شيكًا على بياض. فـ”العمال” يتقدّمون في استطلاعات عامة، لكنهم “لا يملكون سردية هجرة موحّدة” توازن بين احتياجات سوق العمل وضبط الحدود والالتزامات الإنسانية.

ومع ميل الجمهور إلى “نظام يُحِسّن النتائج” لا “أسماء الأنظمة”، قد تتحدد المعارك المقبلة في “تفاصيل تقنية”: ضبط تأشيرات الطلبة والملحقين، تقييم قوائم المهن الشاغرة، تسريع البتّ في اللجوء، وتشديد الردع على شبكات التهريب—مع إبقاء قنوات قانونية واضحة لتلبية حاجات الاقتصاد.

ويريد البريطانيون—وفق هذا القياس—”سياسة هجرة تعمل”: تَقلّ فيها الفوضى الإدراكية، وتتراجع فيها العناوين السلبية (قوارب، تأخر البتّ)، مع “شفافية أكبر” حول من يدخل ولماذا.

وبين نوستالجيا “ما قبل بريكست” وخيبة “ما بعده”، تقف الحكومة أمام “امتحان إخراج النقاط من اللافتة إلى الواقع”؛ فإذا ظلّت الفجوة بين “العلامة التجارية “نظام النقاط”” ونتائجه، ستكبر الكلفة السياسية—على من وعدوا بـ”التحكم” وعلى من يطمحون لاستعادة الثقة ببديلٍ قابل للتطبيق.

قد يعجبك ايضا