اعتراف ترامب بضم روسيا شبه جزيرة القرم يهدد بثغرة قانونية في قضايا جرائم الحرب

يمثل احتمال اعتراف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بسيادة روسيا على شبه جزيرة القرم، التي استولت عليها موسكو بالقوة، خطرًا على الجهود الدولية الرامية إلى تعزيز سيادة القانون ومحاسبة مرتكبي جرائم الحرب، كما أنه قد يؤسس سابقة خطيرة تُشجع القوى العدوانية على تغيير الحدود بالقوة.

في أبريل 2025، طرحت إدارة ترامب فكرة رسمية للاعتراف القانوني بسيطرة روسيا على شبه جزيرة القرم كجزء من اتفاق سلام لإنهاء الصراع في أوكرانيا. هذه الخطوة، التي أثارت ردود فعل حادة في الأوساط القانونية والسياسية، تشكل انتهاكًا لمبدأ أساسي في القانون الدولي الذي ينص على عدم جواز تغيير الحدود بالقوة.

إيرينا مارشوك، أستاذة القانون الجنائي الدولي في جامعة كوبنهاغن، حذرت من أن إدخال مثل هذا الموضوع في مفاوضات السلام سيخلق “سابقة خطيرة للغاية” قد تقوض المبادئ التي تحكم العلاقات الدولية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. وأضافت: “لا ينبغي أن يكون الاعتراف بضم القرم مطروحًا على الطاولة”.

هذه الرسالة ليست موجهة فقط إلى روسيا، بل أيضًا إلى قوى أخرى مثل الصين التي تهدد بالاستيلاء على تايوان، فضلاً عن الدول التي أشار ترامب إلى إمكانية ضمها إلى الولايات المتحدة، مثل جرينلاند وكندا وبنما. يقول لوري مالكسو، أستاذ القانون الدولي بجامعة تارتو في إستونيا، إن هذه الخطوة “تؤثر على نظرتنا للقواعد، وتفتح الباب أمام قوى متوسطة الحجم لتبرير تصرفاتها العدوانية بالاستناد إلى سابقة القرم”.

الجهود الروسية لتثبيت السيطرة قانونيًا

منذ ضمها شبه جزيرة القرم في 2014، تسعى روسيا جاهدة لإضفاء الشرعية على هذا الاحتلال، متجاهلة اعتراضات المجتمع الدولي والمحاكم الدولية. ففي 2016، انسحبت موسكو من المحكمة الجنائية الدولية بعدما صنفت الأخيرة أفعالها في القرم احتلالًا غير قانوني.

تصر روسيا على أن اعتراف المجتمع الدولي بسيادتها على القرم أمر ضروري لإنهاء الحرب، مطالبة أوكرانيا في محادثات السلام التي فشلت بالاعتراف رسميًا بشبه الجزيرة كجزء من روسيا. منذ عام 2014، تحارب أوكرانيا هذا الاحتلال قانونيًا، محققة انتصارات في المحاكم الدولية تؤكد أن القرم وغيرها من الأراضي في شرق وجنوب أوكرانيا محتلة بشكل مؤقت وغير قانوني.

أصدرت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في 2021 حكمًا تاريخيًا أقر بمسؤولية روسيا عن انتهاكات حقوق الإنسان في القرم، منها التعذيب والاحتجاز غير القانوني والاختفاء القسري. وشكل هذا الحكم اعترافًا صريحًا بأن روسيا استولت على شبه الجزيرة بالقوة، وليس عبر استفتاء مشكوك في شرعيته كما تدعي موسكو.

تعتمد أوكرانيا على هذا الإطار القانوني في ملاحقات قضائية أخرى، مثل قضايا الترحيل القسري للسكان الأوكرانيين، حيث أن الاعتراف بملكية روسيا للقرم سيعني سقوط هذه الدعاوى. تؤكد المحامية داريا سفيريدوفا من كييف أن الاعتراف الروسي بملكية القرم يعني تقويضًا للمساءلة القانونية، إذ سيعتبر ذلك بمثابة “دليل رسمي على أن المنطقة تتبع روسيا”.

يضيف ماريو باسكوالي أموروسو، مساعد لجنة القانون الدولي التابعة للأمم المتحدة، أن روسيا ستحظى بسلطة تنفيذ قرارات دستورية وفرض الجنسية وإدارة المنطقة، طالما التزمت بحقوق الإنسان الأساسية، وهو ما سيعني عمليًا شرعنة إجراءات مثل إجبار الأوكرانيين على قبول جوازات سفر روسية أو ترحيلهم إلى سجون في روسيا.

كشف الدعاية الروسية

لم تقتصر معركة أوكرانيا القانونية على المطالبة بالعدالة، بل شملت أيضًا كشف الدعاية الروسية التي تحاول تبرير ضم القرم بعمليات “تقرير مصير” مزيفة أو حماية الناطقين بالروسية. في جلسات المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، اعتمدت روسيا على هذه الروايات بشكل متكرر، حسبما تؤكد مارهريتا سوكورينكو، ممثلة أوكرانيا أمام المحكمة.

توضح سوكورينكو أن المعركة القانونية هي “معركة لإثبات الحقائق، ليست فقط من أجل العدالة، بل من أجل الحقيقة”. وهذا يعكس مدى تأثير القانون الدولي في فضح محاولات الكرملين لتبرير احتلال القرم.

تاريخيًا، كانت شبه جزيرة القرم جزءًا من الإمبراطورية الروسية منذ 1783، حتى منحها القائد السوفيتي نيكيتا خروشوف لأوكرانيا في 1956، وهو قرار انتقده الرئيس الروسي الحالي فلاديمير بوتن بشدة. وبعد استقلال أوكرانيا في 1991، بقيت القرم تتمتع بحكم ذاتي داخل أوكرانيا حتى اجتياحها من قبل روسيا في 2014 عقب الاحتجاجات التي أطاحت بالحكومة الموالية لموسكو.

يقول جان ووترز، أستاذ القانون الدولي في جامعة لوفين، إن الاعتراف القانوني بسيطرة روسيا، خاصة بأثر رجعي، يعني أن “جميع الأفعال الرسمية التي حدثت هناك تُنسب إلى روسيا، ولا علاقة لأوكرانيا بها بعد الآن”، وهو ما يمنح شرعية لأفعال الحكومة الروسية في المنطقة.

الموقف الأوكراني والإجماع الدولي

في ظل الضغوط الدولية المتزايدة لإجراء مفاوضات سلام، ترفض أوكرانيا بشكل قاطع أي تنازل عن سيادتها على القرم. قال الرئيس فولوديمير زيلينسكي ردًا على تصريحات ترامب: “لا مجال للحديث عن هذا. هذا مخالف لدستورنا”. ويؤكد السفير الأوكراني أنطون كورينفيتش أن “عدم الاعتراف بضم القرم هو خطنا الأحمر”.

يتقاطع هذا الموقف مع جهود دولية أوسع لإنشاء محكمة خاصة لمحاكمة جرائم العدوان، أعلن عنها مؤخرًا عدد من الدول الأوروبية. ستبدأ هذه المحكمة عملها في بداية العام المقبل، مع التركيز على مساءلة المسؤولين عن العدوان الروسي.

لكن يبقى السؤال: هل ستركز المحكمة على الغزو الشامل الذي بدأ في فبراير 2022 فقط، أم ستشمل أيضًا ضم القرم الذي بدأ في 2014؟ يصر كورينفيتش على أن “العدوان بدأ في 2014″، وأنه من الضروري أن تغطي المحكمة هذا التاريخ، لضمان تحقيق العدالة كاملة وعدم ترك ثغرات قانونية يمكن أن تستغلها روسيا أو قوى أخرى.

قد يعجبك ايضا