أوروبا لا تستطيع تقليل اعتمادها على الأسلحة الأميركية “بين عشية وضحاها”
حذّر إريك بيرانجيه، الرئيس التنفيذي لشركة MBDA، أحد أكبر مصنّعي الصواريخ في أوروبا، من أن القارة العجوز لا تستطيع التخلي عن اعتمادها على الأسلحة الأمريكية فجأة، داعيًا إلى “إرادة سياسية حقيقية” لتعزيز القدرات الدفاعية الأوروبية وتقليل التبعية لواشنطن.
وجاءت تصريحاته خلال مقابلة صحفية موسعة مع أربع وسائل إعلام أوروبية، عُقدت على هامش معرض باريس الجوي، حيث تركز الاهتمام على مستقبل الصناعات الدفاعية الأوروبية في ظل تصاعد التوترات الجيوسياسية.
أوروبا تشتري أسلحتها من الخارج
أكد بيرانجيه أن أوروبا تملك الإمكانات الصناعية والمالية والعلمية الكافية لتطوير أنظمتها الدفاعية بشكل مستقل، لكنها تفتقر إلى الإرادة السياسية والقرارات المشتركة اللازمة للمضي قدمًا.
“الأمر لا يتعلق بقدرتنا، بل بقرارات الحكومات”، قال بيرانجيه.
وتُظهر البيانات أن أكثر من 50% من مشتريات أوروبا العسكرية تأتي من الولايات المتحدة. وبين يونيو 2022 ويونيو 2023، أنفقت دول الاتحاد الأوروبي نحو 75 مليار يورو على الدفاع، ذهب 78% منها إلى خارج الاتحاد، فيما ذهبت 63% إلى السوق الأميركية، وفقًا لتقرير أعدّه رئيس البنك المركزي الأوروبي السابق ماريو دراغي.
المنتجات الأميركية الأكثر رواجًا
تشمل واردات أوروبا العسكرية من الولايات المتحدة أنظمة شهيرة مثل:
قاذفات HIMARS الصاروخية؛
أنظمة باتريوت للدفاع الجوي؛
طائرات F-35 المقاتلة من إنتاج شركة لوكهيد مارتن.
ورغم وجود بعض التردد من دول مثل البرتغال وكندا بشأن الاستمرار في شراء F-35، فإن دولًا مثل ألمانيا، بلجيكا، والمملكة المتحدة لا تزال ملتزمة بها.
عودة ترامب تشعل النقاش
قال بيرانجيه إن الموقف الأوروبي تغيّر جزئيًا بعد الخلاف العلني بين ترامب والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في وقت سابق هذا العام، ما أثار شكوكًا واسعة في أوروبا بشأن موثوقية الالتزام الأميركي تجاه حلف الناتو.
وأوضح بيرانجيه أن هذه الحادثة أعادت طرح السؤال في العواصم الأوروبية: “هل نستطيع مواصلة الاعتماد على واشنطن؟ وهل نحن مستعدون لبدائل أوروبية؟”.
ورغم ذلك، أقر بوجود “جمود سياسي وبيروقراطي” كبير يعيق أي انتقال سريع نحو الاستقلالية الدفاعية.
سيادة القرار العسكري
من بين العوامل التي تدفع أوروبا لمراجعة اعتمادها على السلاح الأميركي، القيود المفروضة بموجب قانون ITAR الأميركي، الذي يُقيّد بيع الأسلحة وإعادة تصديرها. وأوضح بيرانجيه أن MBDA تسوّق منتجاتها على أنها خالية من قيود ITAR، ما يمنح الدول الأوروبية مزيدًا من حرية الحركة السيادية.
“لم تكن الحكومات الأوروبية تعير اهتمامًا كبيرًا للقيود الأميركية سابقًا، لكنها الآن بدأت تُعيد التفكير”، قال بيرانجيه، مضيفًا أن “السيادة أصبحت اليوم نقطة بيع”.
قرارات مرتقبة لاختبار الموقف الأوروبي
من المتوقع أن تتخذ عدة دول أوروبية قرارات حاسمة بشأن مشتريات الدفاع خلال الأشهر المقبلة. وذكر بيرانجيه أن الدنمارك، التي تعرضت سابقًا لتهديدات من ترامب بشأن ضم غرينلاند، تخطط لحسم قرارها بين نظام الدفاع الأوروبي SAMP/T NG ونظام باتريوت الأميركي في الأسابيع المقبلة، معتبرًا أن هذا الاختيار سيكون “مؤشرًا على المزاج الأوروبي”.
كما أشار إلى أن ألمانيا، التي يقودها الآن المستشار فريدريش ميرز، تُعد من أبرز الدول التي يجب مراقبة قراراتها في هذا المجال، خاصة في ضوء خططها لإنفاق مليارات اليوروهات لتعزيز قطاعها الدفاعي.
ومع تزايد التوترات عبر الأطلسي، تتجه أوروبا نحو إعادة التفكير في علاقتها الدفاعية مع الولايات المتحدة، إلا أن الانتقال نحو الاستقلالية العسكرية يتطلب سنوات من التنسيق والاستثمار والإرادة السياسية.
كما يقول بيرانجيه: “لن نستيقظ غدًا لنجد أن أوروبا أصبحت مستقلة دفاعيًا. هذا ببساطة غير ممكن… لكننا بدأنا أخيرًا نطرح الأسئلة الصحيحة”.