لماذا يحارب الائتلاف الحاكم في ألمانيا نفسه مرة أخرى؟
لقد انكسر “مرساة الاستقرار” في أوروبا في وقت يحارب الائتلاف الحاكم في ألمانيا نفسه مرة أخرى.
بعد أسابيع فقط من إعلان المستشار أولاف شولتز أن ائتلافه الثلاثي المنقسم قد دفن الأحقاد ، قائلاً: “يجب ألا نشغل أنفسنا بأنفسنا” في وقت من الاضطرابات العالمية، عادت الحرب الأهلية داخل حكومته بقوة.
قد يتوقع المرء أن يكون الشرارة التي أشعلت الصراع بين الحلف في سياسته تجاه الشرق الأوسط أو موقفه تجاه روسيا. ولكن الحقيقة أن الصراع الأخير يتعلق بموضوع يشغل بال العديد من الألمان: السيارات.
وعلى النقيض من شركائهم في الائتلاف الحاكم، يريد الديمقراطيون الأحرار ــ الحزب المؤيد للأعمال التجارية الذي يحكم إلى جانب الحزب الديمقراطي الاجتماعي من يسار الوسط بزعامة شولتز والخضر ــ تشجيع الألمان على تشغيل سياراتهم من طراز فولكس فاجن وبي إم دبليو أكثر، وليس أقل، من خلال جعل مواقف السيارات في مراكز المدن مجانية والحد من مسارات الدراجات.
وتأتي هذه الخطوة في إطار ما يبدو بشكل متزايد وكأنه حملة حرب عصابات يشنها زعماء الحزب الديمقراطي الحر في الأيام الأخيرة لإثارة شركائهم في الائتلاف بسلسلة من المبادرات المثيرة للجدل، بما في ذلك مقترحات لخفض الرعاية الاجتماعية وإلغاء الوزارة الفيدرالية التي تتعامل مع المساعدات الخارجية.
ولكي نفهم التحول الاستفزازي الذي شهده الحزب الديمقراطي الحر، فلا نحتاج إلى النظر إلى ما هو أبعد من استطلاعات الرأي. فقد شهد الحزب، الذي ظل على خلاف مع شركائه منذ تولى الائتلاف السلطة، تبخر الدعم الشعبي له إلى 5% فقط، وهو الحد الأدنى اللازم لدخول البرلمان.
ومن المتوقع أن يتلقى الحزب الديمقراطي الحر ـ إلى جانب بقية الائتلاف الحاكم ـ هزيمة ساحقة في الانتخابات الإقليمية في ثلاث ولايات بشرق ألمانيا الشهر المقبل.
وتشير أحدث استطلاعات الرأي إلى أن الحزب لن يحصل على ما يكفي من الأصوات للفوز بمقاعد في أي من الهيئات التشريعية في الولايات.
كما يواجه الحزب الديمقراطي الاجتماعي والخضر صعوبات في تلك الولايات.
إن الخسارة الكبيرة التي منيت بها أحزاب الائتلاف في الانتخابات المحلية من شأنها أن تجدد التساؤلات حول جدوى ائتلاف شولتز، خاصة إذا واصل الحزب الديمقراطي الحر حملته الدعائية.
ولقد دارت التكهنات في برلين على مدى أشهر بأن الحزب قد يحاول إنعاش حظوظه المتدهورة قبل الانتخابات الوطنية العام المقبل من خلال تفكيك الائتلاف، إما بالانسحاب أو التسبب في انهياره.
وفي حين أنه من الممكن أن يكون أي من المسارين مفيداً في نهاية المطاف للحزب الديمقراطي الحر، فإن الوضع الراهن لا يبدو أفضل كثيراً.
وبغض النظر عن استراتيجية الحزب على المدى الطويل، فلا شك أنه قرر تجاهل دعوات شولتز إلى الانفراج ومواصلة الهجوم متجاهلاً الخطوط الحمراء التي وضعها شركاؤه.
وقد بدأت حملة الحزب لتعطيل العمل في الصيف الأسبوع الماضي. ففي مقابلة مع التلفزيون العام الألماني، ألقى زعيم الحزب كريستيان ليندنر، الذي يشغل أيضاً منصب وزير المالية في ألمانيا، بظلال من الشك على التسوية المتعلقة بالميزانية التي توصل إليها هو وشولتز ونائب المستشار روبرت هابيك من حزب الخضر في أوائل يوليو/تموز.
وسبق الاتفاق الذي تم التوصل إليه في يوليو/ تموز مواجهة استمرت شهوراً ، حيث رفض ليندنر، وهو من صقور المالية العامة، الاستجابة لمطالب شركائه بتخفيف قواعد الميزانية الصارمة في ألمانيا .
ومع ذلك، أشار ليندنر في المقابلة إلى أن الاتفاق في خطر، قائلاً إن “هناك مخاطر دستورية وتساؤلات حول التنفيذ الملموس”.
ولقد أثارت محاولة ليندنر غضب شولتز إلى الحد الذي دفعه إلى اتخاذ خطوة لا يمكن تصورها بالنسبة لأغلب الألمان، فقاطع عطلته الصيفية.
ودون أن يذكر ليندنر بالاسم، قال شولتز إنه “لغز” كيف يمكن لأي شخص أن يشكك في دستورية الميزانية استناداً إلى التقييمات القانونية التي تلقتها الحكومة.
ورد فولفجانج كوبيكي، النائب البارز في البرلمان عن الحزب الديمقراطي الحر ونائب رئيس حزبه، قائلا إن “الحزب الديمقراطي الحر لا يدرك مدى تهور الحزب الاشتراكي الديمقراطي والخضر فيما يتصل بالدستور”.
ولم تكن تلك سوى البداية. ففي نهاية الأسبوع، فتح الحزب الديمقراطي الحر جبهة جديدة بدفعه المؤيد للسيارات.