الاتحاد الأوروبي بين الطموح والواقع: نحو توقف مؤقت في تطبيق قواعد الذكاء الاصطناعي
بعد مرور عام فقط على اعتماد قانون الذكاء الاصطناعي للاتحاد الأوروبي (2024) الذي وُصف حينها بأنه خطوة تاريخية لتنظيم التكنولوجيا عالميًا، تستعد بروكسل لمراجعة مسارها. فقد اكتسبت الدعوات لتأجيل تطبيق أجزاء رئيسية من القانون زخمًا كبيرًا خلال صيف 2025، في ظل ضغوط الشركات، خلافات داخلية، وتخوّف من خسارة السباق أمام الولايات المتحدة والصين.
وعندما أقرّ الاتحاد الأوروبي القانون العام الماضي، كان يُنظر إليه كرائد عالمي يسبق القوى الكبرى الأخرى في ضبط استخدامات الذكاء الاصطناعي. لكن ما بدا إنجازًا تشريعيًا تحول سريعًا إلى مصدر قلق:
الشركات لم تتلقَ بعد المعايير الفنية اللازمة للامتثال.
جماعات الضغط حذرت من أن التكاليف والقيود الصارمة قد تدفع الشركات الناشئة إلى نقل أعمالها إلى أسواق أقل تنظيمًا.
مسؤولون كبار، مثل رئيس الوزراء الإيطالي السابق ماريو دراجي، وصفوا القانون بأنه “مصدر لعدم اليقين”.
المقترحات المطروحة للتأجيل
وفقًا للتقارير، يناقش الاتحاد عدة خيارات، أبرزها:
منح الشركات مهلة إضافية تصل إلى عام قبل تطبيق العقوبات على الانتهاكات.
تأجيل دخول القواعد حيز التنفيذ بالنسبة للأنظمة عالية الخطورة (مثل المستخدمة في التعليم، التوظيف، والقضاء).
تعليق الغرامات ستة إلى 12 شهرًا كما اقترحت بولندا، بدعم من السويد والتشيك.
هذا التوجه يعكس خشية الحكومات من أن يؤدي التطبيق السريع إلى هجرة الاستثمارات والمواهب، خصوصًا في القطاعات الناشئة.
موقف المفوضية الأوروبية
المفوضية أبقت الباب مفتوحًا. هينا فيركونن، مسؤولة التكنولوجيا في الاتحاد، صرحت في يونيو أن تأجيل بعض أجزاء القانون ليس مستبعدًا إذا لم تجهز المعايير الفنية. وفي أواخر أغسطس حددت المفوضية موعدًا نهائيًا لاتخاذ قرار، لكن مع غياب التقييم الكامل للمعايير، تسارعت الدعوات للتأجيل.
كما فتحت المفوضية مشاورات حول تبسيط القواعد التكنولوجية، وأشارت مسودة جديدة إلى أن “تعديلات مستهدفة” مطروحة ضمن حزمة سيتم الإعلان عنها في أكتوبر.
على الضفة الأخرى، أبدت منظمات الحقوق الرقمية قلقًا شديدًا. فقد أرسلت 31 منظمة رسالة للمفوضية وحكومات الاتحاد، محذّرة من أن التأجيل سيؤدي إلى “حلقة مفرغة من التأخير” ويُضعف قدرة الاتحاد على حماية حقوق المواطنين من مخاطر الذكاء الاصطناعي.
هذه المنظمات ترى أن المسؤولية الأخلاقية والقانونية لا تقل أهمية عن التنافس الاقتصادي، وأن أي تأجيل سيبعث رسالة خاطئة للشركات بأن القواعد قابلة للمساومة.
مواقف الدول: بين الانفتاح والتحفّظ
بولندا: الأكثر حماسة للتأجيل، حيث وزعت ورقة على باقي الدول تقترح تعليق العقوبات لتخفيف الضغط عن الشركات.
السويد والتشيك: دعمتا الفكرة، معتبرتين أن المواعيد النهائية الحالية “صارمة للغاية”.
دول أخرى: لا تزال مترددة، في ظل قلق من فقدان المصداقية الدولية إذا تراجع الاتحاد عن ريادته التشريعية.
البرلمان الأوروبي: جدل محتدم
من المقرر أن يعقد البرلمان اجتماعًا في 15 أكتوبر لمناقشة مستقبل القانون. بينما يميل بعض المشرعين إلى القبول بتأجيل محدود، يعارض آخرون الفكرة بشدة.
النائبة الهولندية عن حزب الخضر كيم فان سبارينتاك صرحت بأن مراجعة القانون قبل تطبيقه أمر “غريب جدًا”، لكنها اعترفت بأن الجدل يدور الآن حول كيفية الحد من الأضرار بدلًا من المضي قدمًا بشكل كامل.
الأبعاد العالمية
تأجيل القانون قد تكون له تداعيات تتجاوز أوروبا:
الولايات المتحدة ستواصل جذب المزيد من الشركات الناشئة في الذكاء الاصطناعي بفضل بيئة أقل تقييدًا.
الصين ستستفيد من الوقت الإضافي لتعزيز قدراتها التكنولوجية وتوسيع نفوذها.
أوروبا تخاطر بفقدان موقعها كمنظّم عالمي أول، لتتحول من رائدة إلى مترددة.