التحول الثقافي لمجتمعات الخليج والجزيرة العربية من الألف إلى الياء
لخص الخبير بالدراسات المستقبلية وليد عبد الحي كتابا اسمه “حداثة ظهرها الى الجدار: قراءات في التحولات الثقافية في مجتمعات الخليج والجزيرة العربية.”- لمؤلفه حسن مدن- وصدر عام 2021 عن دار الرافدين في بغداد” في مقال له.
تقع الدراسة في نطاق علم الاجتماع الثقافي، فالدراسة تقوم برصد تاريخي للحياة الثقافية في دول الخليج والجزيرة العربية بدءا من المرحلة الجاهلية ( واشارات عابرة لما قبلها)وصولا الى الوضع الحالي عبر المرور بالفترة الإسلامية (بخاصة الخلافتين الاموية والعباسية) ثم المرحلة العثمانية والبريطانية فالاستقلال الذي عايش مرحلة ما قبل النفط وبعده، ويتم الرصد من خلال تحديد المتغيرات الرئيسية في الحراك الثقافي في الخليج والجزيرة وهي المتغيرات الخارجية والتي تمثلت في أولا: تاثير بعض العواصم العربية بخاصة بغداد ودمشق والقاهرة ومفكري هذه العواصم امثال طه حسين وامين الريحاني…الخ، ثم دور المهاجرين العرب للخليج، وتأثيرات الحركات القومية والدينية واليسارية في الإقليم على الخليج
ثانيا : التأثير الأوروبي بخاصة الإنجليزي وقبله بعض التاثير العثماني ولاحقا التاثير الهندي وصولا الى تاثيرات وسائل التواصل التقنية المعاصرة) اما المتغيرات الداخلية التي تمثلت في تركزها حول ثلاثة ابعاد هي أولا تاثيرات الارث الاسلامي وقيم المجتمع التقليدية ،وتبني بعض النخب الثقافية المنظور القومي ناهيك عن تبني نخب اخرى التوجه اليساري وثانيا تزايد فتح المدارس والمعاهد بخاصة في مرحلة ما بعد النفط ومساهمة التجار والنخب في انشاء المدارس والاندية والجمعيات الثقافية ، كما لعب الطلاب الخليجيون الذي سافروا للخارج لاكمال تعليمهم (في الدول العربية او الغربية او الهندية) دورهم في هذا الجانب، ناهيك عن تغير نمط الانتاج(من صيد اللؤلؤ الى الانخراط في مشاريع البترول ) في التاثير على تشكل نواة طبقة عاملة وطبقة وسطى تحللت بعض الشيء من قيود الثقافة السائدة ، يضاف لذلك كله دور بعض الانظمة السياسية في دعم التحول –نسبيا- كما كان الحال في الكويت والبحرين بشكل اكثر وضوحا كبعد ثالث .والحقيقة ان الكتاب في افكاره المركزية هو اعادة باضافات تفصيلية لما ورد في دراسات سابقة للكاتب نفسه ابرزها كتابه الثقافة في الخليج:اسئلة برسم المستقبل(عام 2000) ومحاضرة منشورة في مؤسسة شومان –الاردن عام 2018 لخص فيها اهم محاور كتابنا هذا، بل ان بعض الفقرات في الكتاب وردت نصا في هذه المحاضرة. من المؤكد ان الباحث لم يخرج عن موضوعه الا من باب الاسهاب الذي كان يأخذه الى حواف موضوعه، كما انه لم يفِ بما وعد بتحليله في بداية الكتاب ووصل في خاتمته الى نتائج لم يؤسس لها في الكتاب (وسنوضح ذلك في المنهجية). وعليه فان الدراسة لا تضيف لموضوعها جديدا يثري الميدان ويجذره، ولا تتبنى منهج تحليل او افكار تشير الى ” سبق” فكري .
توزع متن دراسة الكاتب على 295 صفحة، وتم تقسيم مادة الكتاب على أربعة فصول الى جانب مقدمة ، ثم مدخل طويل(40 صفحة) وخاتمة (14 صفحة)، يؤرخ الكاتب في مقدمته لانشغالاته بالجانب الثقافي في الخليج والجزيرة بدءا من عام 2000 مركزا على الانجذاب الثقافي الخليجي نحو المشرق والمغرب والهند ، وفي المدخل(نحن ومخاضة التاريخ) يبدأ بعرض التحولات الحداثية في الخليج واعادة اسبابها الى تفسيرات ثلاثة هي” نزعة تقوية الدولة على حساب المجتمع بحجة توظيف ذلك لمواجهة الاستعمار، او هو نتيجة –ثانيا-لبعض سياسات وتأثيرات محمد علي او تاثير الدولة العثمانية بخاصة على يد سلاطينها في الفترة من 1703- 1807،والسبب الثالث يتمثل في التاثير الاوروبي الذي له جذوره التاريخية. وينتقل الى التمييز بين الحداثة( الموقف الفكري من الظواهر والاشياء) والتحديث ( ادخال التقنيات الى حياتنا دون تغير جوهري في موقفنا من الظواهر والاشياء)، ويستعرض جهود الحداثة والتحديث في منطقة الدراسة عبر: علاقة المدينة العربية بالريف وتغليب الترييف، ثم مناقشة افكار طه حسين بخاصة ذات الصلة بالحداثة والتحديث، ثم دور المسيحيين من بلاد الشام وغيرها في هذا الميدان، متهما بريطانيا بانها عرقلت الحداثة ، ويجعل من النفط عاملا مركزيا في التغير الثقافي والموقف من التراث تحديدا، وكيف خلق النفط صداما بين الدولة المعاصرة والبنى الاجتماعية القديمة من ناحية وتعزيز الثقافة الاستهلاكية من ناحية ثانية، وهو ما اوصل المجتمع الى مرحلة ” القلق القيمي”. وهنا يفسر الكاتب معنى عنوان كتابه بان الحداثة في الخليج ظهرها الى الجدار ، اي ان الحداثة في الخليج استندت لجدران التحديث العمراني المظهري على حساب الحداثة التي تنشد التحول في البنيات التقليدية السياسية والاجتماعية ونظمها القيمية. وفي الفصل الاول( ادب الجزيرة العربية وحكاية “عزلتين” اتجه الكاتب لتحقيب التاريخ الخليجي ورصد نقاط التحول فيه مع اقراره بتباين السرعات بين مجتمع واخر ، وبعد وصف العزلة الأولى النسبية جغرافيا، يحدد الحقب التاريخية بثلاث هي : الجاهلية ، تمحورت حول تجارة مكة و الشعر، واقدم قصائدها المعروفة لا تزيد عن قرن ونصف قبل الإسلام، ثم مرحلة ظهور الإسلام وما تبعه من انتقال مركز الحضارة الاسلامية الى خارج الجزيرة، ثم العزلة الثانية (وهي نسبية) والتي يركز فيها على أدبيات طه حسين في الموضوع مع الإشارة لباحثين من الروس والغربيين. وعبر مناقشة عزلة منطقة نجد يتتبع الكاتب مراحل الدولة السعودية( الاولى 1744 والثانية 1824 والثالثة 1902) وتحالفها مع الوهابية التي لعبت دورا في الانغلاق الفكري، ويتحدث في الفصل الثاني عن اغفال القوى الاوروبية (البرتغال، هولندا ، بريطانيا) البعد الثقافي اي الاهتمام بالثقافة الا من خلال بعض جهود البعثات التبشيرية ، لكن ظهور النفط دفع لفتح المدارس والمعاهد ومراكز التدريب على يد الشركات(ارامكو 1933)، لكن بواكير الحداثة دخلت الكويت والبحرين قبل غيرهما،ويعزو تقدم الكويت النسبي على غيرها من دول الخليج الى عوامل ثلاثة هي : طبيعة التركيبة السكانية(دور المهاجرين لها) وثانيا الموقع الجغرافي سهل ماكنتها التجارية من خلال “المسابلة” وبداية تقبل النظام السياسي بعض جوانب النظم البرلمانية. ويستعرض دور المصلحين العرب( الريحاني و الثعالبي والالوسي) والصحافة المحلية (الحجاز، القبلة، ام القرى)، في الفصل الثالث (الهند نافذة الثقافة الخليجية الاولى على الآخر) ساهم القرب الجغرافي وارتباط الخليج والهند ببريطانيا ودور السوق الهندي في تجارة اللؤلؤ، ودور المهاجرين الهنود للخليج ودور التجار الخليجيين وبعض النخب الخليجية التي اقامت في الهند للدراسة او التجارة او التي ابعدتها السلطات البريطانية الى الهند في العلاقة الثقافية بين الطرفين، في الفصل الرابع (المثقفون في معترك التغيير :الحال البحرينية مثالا) اسباب النشاط الثقافي البحريني مثل: ديناميكية الثقافة البحرينية، ودور التيارات السياسية والصحف وبعض الهيئات السياسية بخاصة ” تطور جبهة التحرير الوطني (1955)، ويعزو حيويتها الى هجرة كوادر من حزب تودة الايراني الى البحرين بعد اسقاط ثورة مصدق، ودور الطلاب البحرينيين الذين تاثروا بالشيوعيين العراقيين اثناء دراستهم في العراق ، ثم تبلور طبقة عاملة ، كما يعرض لتطور حزب الدعوة متاثرا بنظيره العراقي(1958)، ويختم الكاتب بعرض التحديات التي تواجه الثقافة الخليجية وعرض اهمها مثل انفصال الثقافة عن التنمية وغياب الحريات. وسيطرة الثقافة الاستهلاكية…الخ.
ازعم ان نقطة انطلاق الكاتب هي اعتبار التطور الخليجي هو تطور تحديثي ( عمران مظهري وثقافة استهلاكية) وليس حداثي( تغير تطوري في البنى الاجتماعية والسياسية ومنظومة القيم ) والذي يتضح في عنوان الكتاب: حداثة ظهرها للجدار ، أي ان ما عرفه الخليج هو تحديث(الجدار) الذي يصد الحداثة( صفحة 54). لكن الكتاب في تقديري في تركيزه على الثقافة كشف عن تحولات ثقافية ( طبقا للكتاب) _ وإنْ عطلتها بعض موجات الثقافة التقليدية – تنشد الحداثة عبر التعليم والمعاهد والبعثات بل ونتيجة لظلال الحراك الحداثي الأوروبي او عبر الوسيط العربي من خارج الجزيرة والخليج (طه حسين والريحاني والالوسي وتاثيرات الافغاني ومحمد عبده وتسلل التيارات السياسية القومية واليسارية العربية الى الجسد الخليجي ..الخ) وانعكس ذلك على تزايد التعليم والصحف والتطور الادبي وظهور المسارح والاندية الفكرية..الخ.وارى ان عنوان الكتاب ومضمونه لا يتسقان فالكاتب سعى لأثبات ان الحداثة الخليجية هي تحديث ، لكنه لم يكشف لنا عن أسباب ذلك ولا عن المظاهر الحداثية بشكل دقيق.
لكن الكاتب في خاتمة دراسته عرض تحديات عديدة جعلت الخاتمة اكثر ارتباطا بموضوع الكتاب وعنوانه من ارتباط المتن بهما ، ويكفي ان اشير الى تحديات الحداثة مثل (الصفحات 281-295) انفصال المؤسسات الثقافة الرسمية عن التنمية الثقافية، الحريات، عدم تواصل المثقفين الخليجيين فيما بينهم، القطيعة بين الاكاديمي والتكنوقراطي والبيئة العامة، طغيان الثقافة الاستهلاكية وتعزيز قيم النجاح الفردي واستنادها للدولة الريعية ،الحداثة الخارجية المرتبطة باقتصاديات العولمة، عدم كتابة تاريخ الخليج الثقافي بشكل يوظف قيمه الثقافية الايجابية ويعززها،ثم التوظيف السلبي لوسائل التواصل الاجتماعي المعاصرة .
واعتقد لو ان الكاتب قسم دراسته الى البنود التي وردت في الخاتمة(تحديات الحداثة) وتوسع في تقديم الدلائل والمؤشرات على كل بعد ، لكانت الفائدة اعمق، اما متن الدراسة فكأني به يقول ان مؤشرات الحداثة كانت هي ” حادي العيس” وهو ما يخالف الخاتمة، وخلا المتن من المؤشرات التي تدل على الحداثة والتي وردت في الخاتمة، وهو ما جعل مشكلة هذا الكتاب انه انشغل “بالجدار” اكثر من” ظهر الحداثة ” التي هي موضوع الكتاب
وقد طغى الجانب الوصفي على الكتاب، وتجنب الخوض في السياسات المعاصرة من جانبها الحداثي(باستثناء اشارات قليلة في البحرين والكويت وباختصار شديد وحذر للغاية) رغم ان المادة المقدمة توضح قدرا كافيا من تاريخ الثقافة الخليجية وعلاقاتها ببيئتها المحلية والإقليمية والدولية، كما قدمت مساجلات ثرية لتفسيرات ظواهر معينة( الوهابية، الآداب العربية شعرا ونثرا، تفسير بعض التباينات بين دول الخليج، الموقف من الدين …الخ).
اما المصطلحات فالدراسة اتكأت على مفهومين هما الحداثة والتحديث، لكني ارى ان الكاتب شرحهما بشكل واضح ودقيق( صفحة 25 الفقرة الثانية) ، واستخدم الباحث مصطلح ” المسابلة” (صفحة 133) فليته ” شكَّلَ ” الكلمة لضبط لفظها، مع انه شرح معناها بوضوح، كذلك ورد في الدراسة بعض الاشعار المختلطة بين الامية والفصحى ( الصفحات 77 و 188 و 2015) فليت الكاتب وضعها في الهامش او شرح بعض مفرداتها غير المألوفة( مثل ضافين الشليلة صفحة 77)…الخ. وفي صفحة 200 ورد في الفقرة الثانية مصطلحا بالإنجليزية ( order in council) دون ترجمة او مقابل لها ، وهي تعني ” امر مجلسي” اي امر من مجلس الوزراء. وفي صفحة 109 (السطر الأول من الهامش) ناقش الكاتب مصطلح vernacular poetry واعتبر ان مفهوم الشعر النبطي يختلف عن معنى العامي (باللغة العامية)، مع أن بعض المراجع الغربية تستخدم Nabati poetry لتمييزه عن العامية.