الخارجية الأمريكية: واشنطن لن تعلق على انتخابات الخارج إلا بمصلحة أميركية واضحة
نشرت صحيفة وول ستريت جورنال تقريرًا حول التوجه الجديد لوزارة الخارجية الأميركية في التعامل مع الانتخابات التي تجرى في دول أخرى، حيث كشفت مصادر مطلعة عن صدور مذكرة داخلية توجه بتقليل التعليق الرسمي على الانتخابات الأجنبية إلا في حال وجود مصلحة أميركية واضحة.
وتؤكد المذكرة، التي تعكس توجه إدارة الرئيس السابق دونالد ترمب، على “تركيز الإدارة على السيادة الوطنية”، في إشارة إلى موقف يرى أن التدخلات السابقة في شؤون الدول الأخرى لم تكن دائمًا في صالح الولايات المتحدة أو الدول المعنية.
وبحسب نص التعليمات، يجب أن تقتصر رسائل وزارة الخارجية حول الانتخابات على تهنئة المرشح الفائز فقط، مع تجنب إبداء أي رأي بشأن نزاهة أو سلامة العملية الانتخابية، أو مشروعيتها، أو حتى القيم الديمقراطية للدولة التي أُجريت فيها الانتخابات.
حتى الآن، لم تصدر وزارة الخارجية أي تعليق رسمي حول هذه التعليمات الجديدة.
تغيير جوهري في سياسة تقليدية
لطالما كانت الولايات المتحدة تستخدم تقييمها للانتخابات في الخارج كأداة لتعزيز الديمقراطية، حيث تروّج لممارسات انتخابية حرة ونزيهة بهدف دعم حركات المعارضة وعزل الأنظمة الاستبدادية التي تزور نتائج الانتخابات. وفي بعض الأحيان، كانت الوزارة تتجنب توجيه انتقادات مباشرة إلى حلفائها في حال تنظيمهم انتخابات غير عادلة، حفاظًا على المصالح الإستراتيجية.
لكن التغيير الجديد الذي تؤكده المذكرة يعكس تحولًا في هذه السياسة، إذ يؤكد دبلوماسيون حاليون وسابقون أن موقف واشنطن من الانتخابات في الدول الأخرى له تأثيرات كبيرة على الساحة الدولية، خصوصًا في الدول الصغيرة والنامية.
هذه التصريحات الرسمية تتابعها جماعات المعارضة ومنظمات حقوق الإنسان، التي تستخدمها أداة ضغط على الحكومات الأجنبية، كما تؤثر على قرارات فرض العقوبات أو دعم برامج المساعدات الأمنية المرتبطة بهذه الدول.
تحذيرات من تقليل الشفافية
نيكول ويدرشايم، من منظمة “هيومن رايتس ووتش”، انتقدت هذه السياسة الجديدة، معتبرة أن “كبح المراقبة وإخفاء الحقيقة على مستوى السفارات لن يؤدي إلا إلى إبقاء الحكومة الأميركية في الظلام بشأن طبيعة القيادات التي تتعامل معها”. وأضافت أن “الشعوب في هذه الدول غالبًا ما تواجه مخاطر كبيرة عندما تعترض على انتخابات مزيفة، في حين أن السفارات الأميركية هي الكيان الوحيد القادر على تسليط الضوء على هذه الانتهاكات”.
خلفية سياسية
يأتي هذا التوجه في إطار التزام الرئيس السابق دونالد ترمب، الذي أعلن في مايو الماضي في السعودية، بعدم إملاء كيفية إدارة الدول الأخرى لشؤونها، منتقدًا ما وصفه بسياسة التدخلات المكلفة وغير الفعالة في العراق وأفغانستان.
وقال ترمب في خطابه: “من يُطلق عليهم بناة الأمم دمّروا دولًا أكثر مما بنوا، وكان المتدخلون يتدخلون في مجتمعات معقدة لم يفهموها حتى. قالوا لكم كيف تفعلون ذلك، لكنهم لم يكونوا يعرفون كيف يفعلونه بأنفسهم”.
تناقضات في السياسة
رغم الترويج لسياسة عدم التدخل، إلا أن تصرفات ترمب أحيانًا جاءت في تناقض مع هذا الخطاب. ففي وقت سابق من يوليو 2025، فرض ترمب رسوم استيراد بنسبة 50% على البرازيل، وربط ذلك بمحاكمة الرئيس البرازيلي السابق جايير بولسونارو، الحليف المقرب له، المتهم بمحاولة انقلاب على نتائج انتخابات 2022.
وتنفي السلطات البرازيلية بولسونارو هذه التهم، معتبرًا إياها اضطهادًا سياسيًا موجهًا، بينما تؤكد الولايات المتحدة أن لديها مصلحة في مراقبة تأثير هذه الأحداث على استقرار المنطقة.
وسياسة الخارجية الأميركية الجديدة، التي تركز على “مصلحة واضحة” قبل التعليق على الانتخابات في الخارج، تعكس تحولًا في نهج واشنطن التقليدي من الترويج للديمقراطية والدفاع عن الانتخابات النزيهة إلى اعتماد موقف أكثر تحفظًا يراعي مصالحها الجيوسياسية.
ويبقى السؤال حول مدى تأثير هذا التوجه على المراقبة الدولية للانتخابات، وحقوق الشعوب في اختيار قياداتها بحرية وشفافية، خاصة في الدول التي تعاني من أنظمة مستبدة أو نزاعات داخلية معقدة.