مجموعات الخصوصية الأوروبية تتحدى عمالقة التكنولوجيا بدعاوى جماعية قد تكلف المليارات
في خطوة تصعيدية جديدة ضد عمالقة التكنولوجيا، بدأت جماعات الخصوصية الأوروبية في استغلال أداة قانونية حديثة قد تحوّل انتهاكات بيانات المستخدمين إلى قضايا مالية ضخمة تهدد كبرى شركات التكنولوجيا بخسائر بمليارات اليوروهات.
هذه الأداة هي آلية التعويض الجماعي التي أقرها الاتحاد الأوروبي عام 2020، والتي تتيح للمستهلكين الأوروبيين رفع دعاوى قضائية جماعية إذا تعرضوا لأضرار متشابهة من شركة أو كيان اقتصادي واحد. ويأتي هذا التطور على خلفية تشديد الاتحاد الأوروبي لإجراءاته الرقابية عبر اللائحة العامة لحماية البيانات (GDPR)، والتي أضحت سلاحاً قانونياً قوياً بيد المستهلكين والمنظمات الحقوقية.
دعاوى جماعية على عمالقة التكنولوجيا
في الأشهر الأخيرة، أطلقت منظمة SOMI الهولندية غير الربحية دعاوى جماعية ضد كل من تيك توك (TikTok) و ميتا (Meta) بسبب مزاعم تتعلق بسوء استخدام البيانات الشخصية للمستخدمين. وفي السياق ذاته، رفع المجلس الأيرلندي للحريات المدنية دعوى ضد مايكروسوفت (Microsoft)، بينما تستعد مجموعة الخصوصية النمساوية Noyb، بقيادة الناشط المعروف ماكس شريمس، لإطلاق أول دعوى جماعية لها ضد وكالة التصنيف الائتماني CRIF.
تقول أورسولا باشل، المسؤولة عن قيادة ملفات التعويض الجماعي في Noyb: «هناك إمكانيات هائلة في هذا المسار الجديد. اللائحة العامة لحماية البيانات تمنحنا إطاراً قانونياً قوياً، والجميع في أوروبا قد يتأثر بالسلوك غير القانوني نفسه إذا ارتكبته شركة تكنولوجيا عملاقة.»
قلق الشركات من «التأثير المضاعف»
القلق يخيّم على أروقة شركات التكنولوجيا الكبرى التي باتت تدرك خطورة هذه الدعاوى الجماعية. ففي يناير الماضي، أصدرت محكمة الاتحاد الأوروبي حكماً تاريخياً لصالح المواطن توماس بيندل الذي رفع دعوى ضد المفوضية الأوروبية بعد أن شعر بالقلق بشأن مصير بياناته الشخصية عقب نقره على رابط «تسجيل الدخول عبر فيسبوك». ألزمت المحكمة الجهة المسؤولة بدفع 400 يورو كتعويض.
ورغم أن المبلغ يبدو متواضعاً، إلا أن المحامي المتخصص في حماية البيانات غيوم كونسون يحذر من العواقب المالية الهائلة قائلاً: «إذا كان هناك مليون شخص يطالبون بتعويض قدره 400 يورو، فنحن نتحدث عن 400 مليون يورو. التأثير المضاعف هنا مرعب بالنسبة لأي شركة.»
تحديات أمام التقاضي الجماعي
ورغم هذه الانطلاقة القوية، لا تزال هناك عقبات تحدّ من انتشار الدعاوى الجماعية في أوروبا مقارنة بالولايات المتحدة، حيث تُعتبر مثل هذه الدعاوى أداة قانونية راسخة. ففي النظام الأمريكي، يمكن للمحامين تجميع المدّعين بنشاط من أجل تحقيق مكاسب مالية ضخمة، ما يثير أحياناً انتقادات بشأن التقاضي الانتهازي.
لكن في الاتحاد الأوروبي، حرص المشرّعون على وضع ضمانات صارمة لمنع استغلال هذا النظام، إذ لا يحق إلا للمنظمات غير الربحية المستقلة، المؤهلة قانونياً، رفع مثل هذه الدعاوى نيابة عن المستهلكين. تقول فلورنس دانيس، محامية لدى شركة لينكليترز: «قبل صدور التوجيه الأوروبي، كانت السبل القانونية لرفع دعاوى جماعية متفاوتة بشدة في دول الاتحاد. التوجيه الجديد هدفه توحيد الإجراءات وحماية المستهلكين من الأضرار الجماعية.»
مع ذلك، تواجه المنظمات غير الربحية تحدياً مالياً كبيراً، إذ تتحمل في كثير من دول أوروبا، إضافة إلى المملكة المتحدة، خطر دفع أتعاب المحامين وتكاليف المحكمة إذا خسرت القضية. تقول كارين شين، محامية الخصوصية في مكتب بلانك روم بكاليفورنيا: «هذا النظام قد يحد من الحماس للجوء إلى الدعاوى الجماعية، لأن المخاطرة المالية تكون عالية جداً.»
مستقبل ضبابي لكنه واعد
مع تزايد التدقيق الأوروبي في ممارسات شركات التكنولوجيا، يرى كثير من الخبراء أن التعويض الجماعي قد يصبح سلاحاً رئيسياً في معركة حماية بيانات المستهلكين. يقول باشل: «لم يعد كافياً فرض غرامة كبيرة من هيئة حماية البيانات على الشركات. نريد أن يحصل الأفراد المتضررون على تعويض مباشر.»
بينما تحاول شركات التكنولوجيا تهدئة المخاوف والتأكيد على التزامها بالقوانين الأوروبية، يبدو أن موجة الدعاوى الجماعية قد لا تتراجع قريباً. ويبدو أن معركة الخصوصية في أوروبا دخلت فصلاً جديداً أكثر حدة، قد يرسم ملامح علاقة المستخدمين بالشركات التقنية العملاقة لعقد قادم.