دول الخليج التي لم تتأثر بالحرب تتطلع للاستفادة من خسائر إسرائيل وإيران
مع تصاعد الصراع بين إسرائيل وإيران، تشهد دول الخليج العربية، التي نجت من تداعيات الحرب المباشرة، فرصة غير مسبوقة لتعزيز نفوذها الإقليمي واستثمار موقعها الاستراتيجي، بحسب محللين ومسؤولين عرب تحدثوا لموقع “ميدل إيست آي” البريطاني.
ففي ظل استمرار العمليات العسكرية الإسرائيلية على إيران، والتي شملت ضربات جوية دقيقة استهدفت منشآت نووية وعسكرية إيرانية، إضافة إلى عمليات اغتيال لجنرالات من الحرس الثوري، تواصلت الضربات الأميركية على المواقع النووية في طهران، مثل فوردو ونطنز وأصفهان. ورغم تصعيد العنف، يبدو أن دول الخليج كانت على هامش المواجهة المباشرة، ما وفر لها مساحة لتثبيت مواقفها وتقوية حضورها الإقليمي.
يقول مسؤول عربي رفيع المستوى: “لقد أظهر الإسرائيليون شجاعة وعزيمة في مواجهة جيش تقليدي، ولكن الجبهة الداخلية الإسرائيلية لم تحتمل أكثر من أسبوعين من الضربات الصاروخية”، مضيفًا أن “إدراك ضعف إسرائيل سيمنحنا نفوذًا أكبر في التعامل معها”.
وبالفعل، يرى المحللون أن دول الخليج، وبخاصة السعودية والإمارات، تستغل هذه المرحلة لترسيخ علاقاتها الدبلوماسية والاقتصادية مع طهران، التي تواجه تدميرًا جزئيًا لمرافقها العسكرية والنووية، في خطوة تُعد انعطافة بعد سنوات من التوتر. ففي أبريل/نيسان الماضي، زار وزير الدفاع السعودي طهران، في مؤشر على تطورات دبلوماسية مهمة.
من جهة أخرى، تدعم دول الخليج محادثات إحياء الاتفاق النووي مع إيران، على الرغم من التصريحات الأميركية المتباينة. وأكد دبلوماسي عربي أن “الخليج يمتلك القدرة على التأثير في واشنطن، ويحتفظ بقنوات اتصال مفتوحة مع إيران، حتى في منتصف الليل”.
وخلال زيارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب للمنطقة في مايو/أيار، أبرمت الإمارات وقطر والسعودية صفقات ضخمة مع الولايات المتحدة، والتي شملت تنازلات في ملفات اليمن وسوريا. كما أعلن ترامب وقف الضربات الأميركية على الحوثيين، في خطوة استقبلتها الرياض بارتياح.
ومع أن دول الخليج لم تكن فاعلة في هجوم إسرائيل على إيران، إلا أنها سعت للحفاظ على أمنها الداخلي وتجنبت الانزلاق إلى صراع مباشر. وقال أيهم كامل، خبير الشرق الأوسط في شركة إيدلمان، إن الأزمة رفعت من مستوى قيادة دول الخليج، التي أظهرت قدرة دبلوماسية على التعامل مع إيران وتركيا وإسرائيل بشكل متوازن.
وتعكس التطورات الحالية تحوّلًا في مواقف دول الخليج من الصراع الإقليمي. ففي حين سعت واشنطن إلى تأسيس تحالف عسكري إقليمي يربط إسرائيل بدول الخليج ومصر، أظهر الحلفاء العرب تحفظًا متزايدًا، بل وضغطوا على واشنطن لخفض التصعيد.
وأفاد باتريك ثيروس، السفير الأميركي السابق في قطر، بأن “هناك تعاطفًا متزايدًا مع إيران بين الطبقات الحاكمة الخليجية، بما في ذلك السعودية”. ويعزز هذا التوجه تقارب الرياض وطهران الذي توسطت فيه الصين عام 2023، والذي ساعد في إبقاء مضيق هرمز مفتوحًا وحماية صادرات النفط.
في السياق ذاته، يشير تقرير معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى إلى أن أكثر من 96% من السعوديين يعارضون التطبيع مع إسرائيل، في ظل تصاعد الضحايا الفلسطينيين في حرب غزة.
ويأتي ذلك في وقت يحاول ترامب تحقيق وقف إطلاق نار هش في غزة وإيران، حيث شدد على أن السلام هو شرط أساسي للتطبيع مع السعودية. ورفضت الرياض ضغوط ترامب لسرعة إبرام اتفاق مع إسرائيل، مؤكدة على ضرورة اتخاذ خطوات جدية لإقامة دولة فلسطينية.
وقال مسؤول عربي لموقع “ميدل إيست آي”: “السعودية تفهم توجهات الشارع العربي وستصر على مواقف حاسمة تضمن حقوق الفلسطينيين”.
في الختام، تبدو دول الخليج في وضع “مبرَّر” لاستثمار نتائج الصراع الإسرائيلي-الإيراني لتعزيز مصالحها، عبر موازنة علاقاتها مع الطرفين واحتضان فرص دبلوماسية واقتصادية جديدة، بينما تراقب المنطقة عن كثب ما ستسفر عنه الحرب من إعادة رسم للخارطة السياسية في الشرق الأوسط.