دون قيود أو حساب: إسرائيل تتحرك لإعادة تشكيل الشرق الأوسط… ولكن بأي ثمن؟

رغم ما تسوّقه من “إنجازات أمنية”، تبدو إسرائيل اليوم في سباق محموم لفرض معادلات جديدة في الشرق الأوسط عبر هجوم عسكري واسع على إيران، وسط دعم غير مشروط من إدارة ترامب، وتجاهل صارخ للتداعيات الإقليمية والإنسانية المدمرة.

قبل عام فقط، كانت إسرائيل غارقة في مستنقع غزة، تُواجه مقاومة شرسة، وتحت ضغط أمريكي وأوروبي لوقف القتال. أما اليوم، فهي تقود حملة تصعيدية على إيران، تدّعي أنها “تعيد تشكيل المنطقة”، بينما تُغرقها في فوضى غير مسبوقة. هذه الديناميكية لا تعكس قوة بقدر ما تشير إلى سياسة تهور وتجاهل ممنهج للأثمان الباهظة.

فالحرب الإسرائيلية الحالية، التي استهدفت قوى محور المقاومة، وسعت إلى إنهاك الدفاعات الجوية الإيرانية وضرب منشآت نووية، لا تملك حتى الآن استراتيجية خروج واضحة، ولا تطرح بديلاً سياسياً قابلاً للحياة، بل تهدد بإشعال حرب إقليمية واسعة قد تجرّ الولايات المتحدة إلى صراع لم تكن ترغب فيه.

وبينما تحاول إسرائيل تسويق الحرب كفرصة “لتحرير الشعب الإيراني” وإسقاط النظام الديني، لا يبدو أن هناك تصورًا لما بعد المواجهة، ما يذكّر بفشل الولايات المتحدة في العراق.

فرغم الضربات الجوية المكثفة، لا تزال منشآت نووية إيرانية حيوية مثل فوردو صامدة، مما يعزز احتمال أن ترد إيران بتسريع جهودها النووية بدلاً من التراجع.

داخلياً، تعاني إسرائيل من استنزاف خطير، حيث تتواصل الحرب في غزة منذ 20 شهرًا دون نتائج حاسمة، وسط انهيار في ثقة الشارع بحكومة نتنياهو.

لقد أدّت الحرب إلى مقتل أكثر من 55 ألف فلسطيني، معظمهم من المدنيين، وفق وزارة الصحة في غزة، ودمّرت البنية التحتية للقطاع بالكامل تقريبًا، دون تقديم رؤية بديلة لما بعد “سحق حماس”.

وعلى الرغم من صعود الخطاب المنتشي بـ”النجاحات” ضد إيران، فإن الداخل الإسرائيلي يعيش حالة من الإرهاق النفسي والانقسام السياسي الحاد. وقد بدأ كثيرون يفقدون الثقة في أهداف هذه الحرب، التي تحوّلت من “ردع العدو” إلى “حرب بلا نهاية”، في ظل غياب أي مسار دبلوماسي جاد.

دوليًا، تعمّقت عزلة إسرائيل. فبينما كانت قاب قوسين من اتفاق تطبيع تاريخي مع السعودية قبل هجوم 7 أكتوبر، بات هذا الهدف بعيدًا جدًا. إذ لا يمكن للسعودية، ولا لأي دولة عربية أخرى، أن تُبرر تطبيعًا مع دولة تحاصر شعبًا وتُدمّر قطاعًا بأكمله، وتحشد جيوشها لضرب دولة أخرى في المنطقة.

وحتى الحلفاء التقليديون بدأوا بمراجعة مواقفهم. فبينما أبدت إدارة بايدن سابقًا حرصًا على احتواء التصعيد، تبدو إدارة ترامب منخرطة في إعطاء إسرائيل شيكًا مفتوحًا، رغم تحذيرات عديدة من أن الاستراتيجية الإسرائيلية لا تُعالج جذور المشكلة، بل تؤججها.

يقول خبراء إسرائيليون إن الإنجازات التكتيكية الحالية – سواء ضد حزب الله أو إيران – قد لا تتحوّل إلى إنجازات استراتيجية إذا لم تترافق بخطّة سياسية متكاملة. فالتاريخ مليء بالأمثلة: من الغزو السريع لبيروت في 1982، الذي تحوّل إلى مستنقع، إلى انتصار 1967 الذي جرّ هزيمة 1973.

إيران، رغم ما أظهرته من ضعف نسبي، لا تزال خصمًا صلبًا يمتلك أدوات للمناورة والرد. وإذا لم تنجح إسرائيل في تدمير قدراتها النووية، فقد تجد نفسها في مواجهة خصم أكثر شراسة، وأكثر تصميمًا على الانتقام. فحتى الآن، ورغم الهجمات، لم يُضرب فوردو بشكل جدّي، ولم تُدمّر مخزونات اليورانيوم المخصب.

القلق الحقيقي، وفق خبراء، هو أن تفشل إسرائيل في تحقيق أهدافها، وتكتفي بإشعال حريق يمتد لسنوات. ومع استمرار حصار غزة، وتصاعد أزمات الداخل الإسرائيلي، وخسارة الدعم الدولي، يبدو أن الطريق الذي تسير فيه تل أبيب أقرب إلى الانفجار منه إلى إعادة التشكيل.

فهل تصحو إسرائيل من وهم الهيمنة العسكرية المطلقة، أم تصرّ على مواصلة حرب بلا رؤية تقود الشرق الأوسط إلى مزيد من الفوضى؟ الأيام القادمة وحدها ستكشف.

قد يعجبك ايضا