قطاع الطيران في الشرق الأوسط يتطور “بشكل غير متساوٍ”
قال كامل العوضي، نائب رئيس الاتحاد الدولي للنقل الجوي (إياتا) لمنطقة أفريقيا والشرق الأوسط، إن صناعة الطيران في الشرق الأوسط تشهد نمواً “غير متساوٍ”، نتيجة للتفاوت الاقتصادي الحاد بين الدول وعدم الاستقرار الجيوسياسي، إضافة إلى إغلاق المجالات الجوية والعقوبات المفروضة على بعض البلدان.
وفي تصريحات أدلى بها للصحفيين على هامش الاجتماع السنوي للاتحاد الدولي للنقل الجوي المنعقد في نيودلهي، أشار العوضي إلى أن من بين 67 دولة في الشرق الأوسط وأفريقيا تتعامل معها “إياتا”، تخضع 21 دولة لعقوبات، بينما تُعدّ 12 منها مناطق نزاع.
وأوضح أن هذه الظروف تؤثر سلبًا على شركات الطيران، وتحدّ من قدرة القطاع على النمو المستدام.
وأضاف: “ثمة فجوات صارخة في القدرات والبنية التحتية والاستثمار بين دول الشرق الأوسط، فبينما تطوّر بعض الدول مراكز طيران عالمية المستوى، تعاني دول أخرى من تقادم الأساطيل، وتردّي المطارات، وانعدام التمويل الكافي”.
وشدّد العوضي على أهمية اعتماد “نهج إقليمي منسق” لمعالجة هذا التفاوت، داعياً إلى تفعيل مبدأ “عدم تخلف أي دولة”، بما يسمح لكل الدول بالمشاركة في نهضة قطاع الطيران والاستفادة من عائداته الاقتصادية، مع الحفاظ على أعلى معايير السلامة.
دعوات لدعم سوريا ومناطق النزاع
أشار العوضي إلى أن الأشهر الأخيرة شهدت تواصلاً من عدد من هيئات الطيران المدني الخليجية مع “إياتا” ومنظمة الطيران المدني الدولي (ICAO)، بهدف دعم تطوير قطاع الطيران في سوريا، رغم العقوبات المفروضة عليها.
وأوضح أن “عدداً متزايداً من شركات الطيران الإقليمية أبدى اهتمامه باستئناف رحلاته إلى دمشق”، ما يعكس تطلعاً لإعادة دمج سوريا في شبكة الطيران الإقليمي، إذا توفرت ظروف السلام والاستقرار.
وحثّ العوضي حكومات المنطقة على إيجاد “مساراتٍ آمنةٍ ومنظمة” لعودة الدول الخارجة عن المنظومة إلى بيئة الطيران الدولية، من خلال تسهيل الحصول على الطائرات وقطع الغيار والتمويل، والعمل على تحديث اللوائح الوطنية لتتوافق مع المعايير الدولية.
وفيما يتعلّق بسوق الطيران السوري، قال العوضي إنه قد يشهد “طفرة” في حال تحسنت الظروف، لكنه أشار إلى أن القيود على التأشيرات، ونقص البنية التحتية، لا تزال تمثل تحديات كبيرة. ولفت إلى الحاجة إلى استثمارات ضخمة لتحديث المطارات، وتطوير قدرات المناولة الأرضية، وزيادة الطاقة الاستيعابية لخطوط الطيران.
أزمة الأموال المحجوزة لشركات الطيران
على صعيد آخر، ألقى العوضي الضوء على قضية الأموال المجمدة، حيث كشف أن حجم الإيرادات المستحقة لشركات الطيران لدى الحكومات حول العالم بلغ 1.3 مليار دولار حتى نهاية أبريل/نيسان 2025، بانخفاض 25% عن أكتوبر 2024. وتستحوذ منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا على 85% من هذا المبلغ، أي ما يعادل 1.1 مليار دولار.
وأوضح أن احتجاز هذه الأموال يمثل تحدياً بالغ الخطورة، نظراً لاعتماد شركات الطيران على تلك الإيرادات لتغطية نفقاتها المقومة بالدولار، خاصة في ظل هوامش الربح المحدودة.
وأشار إلى أن “إياتا” نجحت في تسوية هذه المشكلة في نيجيريا خلال العام الماضي، فيما ساهمت تدخلاتها في تقليص المبالغ المحتجزة في كل من مصر وإثيوبيا بشكل كبير.
مع ذلك، صعدت موزمبيق إلى صدارة الدول التي تحجز أموال شركات الطيران، محتجزةً 205 ملايين دولار، مقارنة بـ127 مليون دولار في أكتوبر 2024.
كما حجبت كل من الكاميرون، وتشاد، والكونغو، وغينيا الاستوائية، والغابون مجتمعةً 191 مليون دولار، تليها الجزائر (178 مليون دولار)، ولبنان (142 مليون دولار).
تحركات لحلحلة الأزمة
رغم استمرار التحديات، أشار العوضي إلى تحقيق تقدم ملحوظ في بعض الدول، حيث خفّضت باكستان وبنغلاديش متأخراتهما إلى 83 و92 مليون دولار على التوالي، بعد أن كانت تبلغ 311 و196 مليون دولار قبل أقل من عام.
وحققت بوليفيا تحسناً لافتاً، حيث سددت بالكامل ما كانت مدانة به، وهو 42 مليون دولار.
وقال العوضي إن “الاتحاد الدولي للنقل الجوي سيواصل الضغط والتعاون مع الحكومات لحل هذه القضايا”، مشدداً على أن استعادة التدفقات المالية المنتظمة تُعدّ ضروريةً لضمان استدامة عمليات النقل الجوي في الأسواق الصاعدة.
تفاوتات بنيوية في بيئة الطيران
في ختام تصريحاته، أكد العوضي أن المشهد العام لقطاع الطيران في الشرق الأوسط لا يمكن فصله عن العوامل السياسية والاقتصادية والأمنية.
وأضاف: “الدول التي تشهد استقرارًا سياسيًا وتمتلك استثمارات استراتيجية في قطاع الطيران تحقق قفزات نوعية، بينما تظل الدول المتعثرة غارقة في أزمات التمويل والتشغيل والسلامة”.
ودعا إلى اعتبار الطيران أداةً للتنمية الشاملة، وليس رفاهية تقتصر على الدول الغنية، مشيرًا إلى أن تعزيز التعاون الإقليمي هو السبيل الوحيد لضمان مستقبل أكثر توازنًا واستقرارًا للقطاع في منطقة مليئة بالتحديات.