باحثون أمريكيون يبتكرون تقنية تبريد مبتكرة لحماية الإلكترونيات في الفضاء

في خطوة قد تُحدث تحولًا كبيرًا في تصميم الأنظمة الإلكترونية المستخدمة في الفضاء، طور باحثون من كلية جراينجر للهندسة بجامعة إلينوي في أوربانا-شامبين طريقة مبتكرة للتبريد تعتمد على استخدام مواد شمعية داخل مبادلات حرارية، لحماية الأجهزة الإلكترونية من خطر الحرارة الزائدة في بيئة الفضاء القاسية.

 

ويواجه المهندسون منذ عقود تحديًا كبيرًا في إدارة الحرارة في الفضاء، إذ لا توجد هناك أجواء أو هواء لتبديد الحرارة الناتجة عن تشغيل الإلكترونيات. وفي غياب وسائل التبريد التقليدية مثل المراوح أو السوائل، يقتصر الأمر على الإشعاع الحراري كوسيلة لتصريف الحرارة، أو اضطرار الأنظمة إلى خفض قدرتها الحاسوبية لتجنب ارتفاع درجة حرارتها إلى مستويات قد تكون قاتلة للأجهزة.

 

ولحل هذه المعضلة، صمم فريق الجامعة مبادلات حرارية تحتوي على مادة شمعية تنصهر عند درجات الحرارة الطبيعية لتشغيل الأجهزة الإلكترونية. وعندما يصل الشمع إلى نقطة الانصهار، يمتص كمية كبيرة من الحرارة، ما يساعد في إبقاء درجات حرارة الأجهزة الإلكترونية ضمن النطاق الآمن لفترة أطول.

 

ونُشرت نتائج هذه الدراسة مؤخرًا في مجلة International Journal of Heat and Mass Transfer، حيث أشار الفريق إلى أنهم يختبرون هذه التقنية الجديدة فعليًا في الفضاء باستخدام قمر صناعي صغير.

 

اختبار الابتكار في المدار

 

وقال البروفيسور ميكي كليمن، من قسم علوم الهندسة الميكانيكية في جامعة إلينوي وقائد الفريق البحثي: “نحن متحمسون للغاية لأن قمرنا الصناعي وصل إلى الفضاء وعمل نظامنا بنجاح. ففي العادة، تواجه الأقمار الصناعية الممولة من الجامعات تحديات كبيرة في الوصول إلى الفضاء أو العمل بشكل صحيح، لذا يُعد هذا إنجازًا هائلًا بالنسبة لنا”.

 

توجد تجربة الفريق على متن قمر صناعي صغير من نوع CubeSat، وهو قمر مكون من وحدات مكعبة بحجم 10 سنتيمترات لكل منها. وقد أُطلق هذا القمر الصناعي في أغسطس 2024، وهو يحمل عدة تجارب علمية وتقنية، من ضمنها المبادلات الحرارية المملوءة بالشمع. ويتناوب الباحثون على تشغيل تجاربهم بالتنسيق مع الحمولات الأخرى المثبتة على متن القمر الصناعي.

 

وحتى الآن، تشير النتائج الأولية إلى نجاح واعد للتجربة، إذ أظهرت البيانات أن المبادلات الحرارية الشمعية حافظت على درجات حرارة الأجهزة الإلكترونية ضمن المستويات الآمنة لفترة أطول مقارنة بالأنظمة التقليدية. كما أن ظروف انعدام الجاذبية في الفضاء لم تؤثر على أداء الشمع أو آلية عمل المبادلات الحرارية.

 

نماذج تنبؤية لتصميم المستقبل

 

وأوضح كليمن أن الفريق لا يكتفي بتجربة النظام فحسب، بل طور أيضًا نماذج رياضية بسيطة يمكنها التنبؤ بأداء المبادلات الحرارية الشمعية. وقال: “نحن نختبر أنماط تبريد مختلفة تساعدنا على توجيه تصميم إلكترونيات الفضاء في المستقبل. ونأمل أن تساعد نماذجنا المصممين على اختبار أفكارهم بسرعة وبدون الحاجة إلى بناء نماذج مادية مكلفة”.

 

ويدور CubeSat حول الأرض كل 90 دقيقة، مما يجعله يمر بدورات متكررة من التعرض لأشعة الشمس والظل. ويخطط الفريق لدراسة تأثير هذه الظروف المتغيرة على أداء المبادلات الحرارية، ومدى قدرة النظام على الاستمرار في الحفاظ على برودة الأجهزة الإلكترونية في ظل الفروق الكبيرة في درجات الحرارة التي تتراوح بين حرارة الشمس الحارقة وبرودة ظل الفضاء القاسية.

 

واختتم كليمن حديثه قائلاً: “نريد أن نفهم بدقة كيف تؤثر حرارة الشمس على نظامنا، لأن هذه المعلومات قد تغير الطريقة التي نصمم بها الإلكترونيات لاستخدامها في الفضاء مستقبلاً. إذا نجحت هذه التقنية على نطاق أوسع، فقد تكون خطوة حاسمة لجعل الأجهزة الإلكترونية في الفضاء أكثر موثوقية وكفاءة”.

 

ويعلق خبراء على أن هذه التقنية قد تُحدث نقلة نوعية في صناعة الأقمار الصناعية والمهمات الفضائية، إذ تفتح الباب أمام تصميم أنظمة أكثر قوة ومرونة قادرة على مواجهة الظروف الحرارية القاسية التي لطالما شكلت أحد أكبر التحديات في استكشاف الفضاء.

قد يعجبك ايضا