مصر تطلق خدمة قطارات لنقل اللاجئين السودانيين وسط تحذيرات من مخاطر العودة إلى الوطن
أطلقت السكك الحديدية المصرية، خدمة قطارات جديدة مخصصة لنقل اللاجئين السودانيين الراغبين بالعودة إلى بلادهم، رغم استمرار حالة عدم الاستقرار والصراع المسلح في السودان. وتُعد هذه الخطوة من أكبر الجهود المنظمة لإعادة العالقين السودانيين منذ اندلاع الحرب الأهلية في أبريل/نيسان 2023.
قطار العودة: من القاهرة إلى أسوان… ثم إلى السودان
انطلق القطار رقم 1940 من محطة القاهرة صباحًا متجهًا نحو محافظة أسوان، حيث يستكمل الركاب رحلتهم إلى السودان عبر ميناء السد العالي الذي يربط بين مصر والسودان عن طريق نهر النيل. ويضم القطار عربات درجة ثالثة مكيفة، في محاولة لتوفير الحد الأدنى من الراحة خلال الرحلة الطويلة.
وسينقل القطار نفسه الركاب من أسوان إلى القاهرة يوم الأحد، على أن يعود لنقل السودانيين الراغبين بالعودة إلى وطنهم صباح كل اثنين، بحسب ما أعلنته هيئة السكك الحديدية المصرية.
ووفقًا للهيئة، فإن هذه الخدمة تأتي ضمن مشروع دعم إنساني يهدف إلى تخفيف الضغط عن مراكز الإيواء، والمساهمة في إعادة من يرغب من السودانيين إلى بلادهم، في ظل ظروف معيشية صعبة وموارد مصرية محدودة.
1.5 مليون لاجئ… وضغط اقتصادي متصاعد
تشير التقديرات الرسمية إلى أن أكثر من 1.5 مليون سوداني عبروا الحدود إلى مصر منذ بدء الصراع قبل أكثر من عامين. وشهدت القاهرة ومدن أخرى تدفقًا مستمرًا للاجئين الفارين من الحرب، ما خلق ضغطًا شديدًا على البنية التحتية والخدمات العامة، خاصة في مجالات التعليم والصحة والإسكان.
وكان الرئيس عبد الفتاح السيسي ورئيس الوزراء مصطفى مدبولي قد عبّرا في تصريحات سابقة عن قلق الحكومة المصرية من التأثير الاقتصادي والاجتماعي لأعداد اللاجئين المتزايدة، مما يُفسر الدعم الحكومي لهذه المبادرة الجديدة.
عودة محفوفة بالمخاطر
ورغم أن الرحلة بالقطار قد تبدو مبادرة إنسانية ضرورية، إلا أن منظمات دولية مثل مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين والمنظمة الدولية للهجرة، حذّرتا من أن العودة إلى السودان ليست آمنة بعد.
وصف تقرير للمفوضية الوضع في السودان بأنه “أكبر أزمة نزوح في العالم”، إذ نزح أكثر من 12 مليون شخص داخليًا وخارجيًا، بينما يعاني 8.5 مليون نازح داخل البلاد من نقص شديد في الخدمات الأساسية مثل الغذاء والمياه والرعاية الصحية.
كما أشار تقرير للمنظمة الدولية للهجرة إلى أن عدد العائدين من مصر ارتفع بنسبة 44% بين أوائل وأواخر أبريل، مما يُظهر رغبة واضحة لدى السودانيين بالعودة، رغم إدراكهم لمخاطر الطريق وظروف ما بعد الوصول.
تهديدات على الطريق… ومناطق غير صالحة للعودة
يحذر مراقبون من أن مناطق واسعة في السودان، لا سيما الخرطوم ودارفور وكردفان، لا تزال تعاني من انعدام الأمن والعنف والدمار واسع النطاق. وتشير تقارير أممية إلى أن العائدين غالبًا ما يجدون أنفسهم في بُنى مدمرة أو مناطق يندر فيها وجود المنظمات الإنسانية.
بالإضافة إلى ذلك، تُواجه العائلات العائدة مخاطر مباشرة أثناء الطريق، من بينها التعرّض للابتزاز والمضايقات عند نقاط التفتيش، وسوء الأوضاع الأمنية في المناطق الحدودية، فضلًا عن نقص الوقود وتضخم أسعار النقل، مما يجعل الرحلة مكلفة ومحفوفة بالمجهول.
في ضوء هذه الأوضاع، دعت مفوضية اللاجئين المجتمع الدولي إلى زيادة التمويل المخصص للاستجابة الإنسانية في السودان والدول المجاورة، موضحة أن نداءها للتمويل لعام 2025 لم يُلبَّ سوى بنسبة 21% فقط حتى مارس.
وأكدت المفوضية أن أي خطة لعودة اللاجئين يجب أن تكون “آمنة وطوعية وكريمة”، وهو ما لا يمكن ضمانه في ظل الاضطرابات المستمرة وانهيار البنية التحتية في السودان.
وبينما تمثل خدمة قطارات العودة خطوة رمزية وتنظيمية من جانب مصر لتقليل الأعباء ودعم من يرغب من السودانيين في العودة، إلا أن المخاطر الجسيمة التي تنتظر العائدين تُلقي بظلالها على هذه المبادرة. وبين الحاجة للفرار من واقع صعب في المنفى، والخطر الكامن في الوطن المنهك، تبقى خيارات اللاجئين السودانيين محدودة ومؤلمة.