الناتو يقلل من أهمية سحب قوات أمريكية مع تصاعد الهجمات الهجينة الروسية

قَلّل أمين عام حلف شمال الأطلسي مارك روته من دلالة إعلان الولايات المتحدة عن سحب نحو لواء مشاة من رومانيا، مؤكداً أن هذه الخطوة لا تعني تراجعاً في التزام الحلف تجاه حلفائه في وسط وشرق أوروبا، وذلك في ظل تكثيف سلسلة من «الهجمات الهجينة» التي تُنسب إلى روسيا في المنطقة.

في تصريحٍ لصحيفة بوليتيكو خلال مؤتمر صحفي عقده في بوخارست، أوضح روته أن سحب وحدات أمريكية أو إعادة نشرها «يحدث طوال الوقت» وأن الحلف قادر على التكيّف بسرعة: «أينما ومتى دعت الحاجة، يمكننا دائمًا توسيع نطاق العمل جماعيًا، بما في ذلك في رومانيا».

وأضاف أن برنامج الناتو الجديد الذي عُرف باسم “الحارس الشرقي” سيسهم بتوفير قدرات إضافية للدول على الخطوط الأمامية.

يأتي ذلك بعد إعلان واشنطن عن إعادة نشر لواء مشاة يضم نحو 700 جندي من رومانيا إلى ولاية كنتاكي، في إطار إعادة تركيز وزارة الدفاع الأمريكية لأولوياتها التشغيلية.

وتشكل هذه الخطوة جزءاً من حركة أوسع للقوات الأميركية في أوروبا، لكنها أثارت قلقاً سياسياً في برلمانات عدة وحملة انتقادات من بعض المشرعين الأميركيين.

رئيس رومانيا، نيكولاي تشوكا، طمأن الرأي العام بقوله إن «الحضور الأمريكي في أوروبا ورومانيا أقوى مما كان عليه في عام 2020»، داعياً إلى عدم المبالغة في تفسير الخطوة.

في المقابل، شدّد روته على أن التحالف عزّز تدريباته ونشر قوات إضافية في رومانيا، مشيراً إلى ارتفاع عدد الجنود المتدربين من نحو 1,500 إلى أكثر من 5,000 في تدريبات مكثفة لرفع الجاهزية.

خلف هذا التوازن الدبلوماسي تكمن مخاوف أمنية ملموسة. فقد شهدت الفترة الأخيرة تصاعداً في انتهاكات المجال الجوي وحوادث لطائرات مسيرة مفخخة، حيث تم اعتراض وإسقاط طائرات روسية دون طيار فوق بولندا، ورُصدت طائرة مماثلة فوق رومانيا.

كما تسببت طائرات مجهولة المصدر في تعطيل حركة مطاراتٍ في الدنمارك والنرويج وألمانيا، في مؤشر على توسّع التكتيكات الهجينة التي تشمل الطائرات المسيّرة والتشويش السيبراني والحملات المعلوماتية.

ردّ الناتو على هذا التصعيد شمل قراراً بنشر مزيد من الطائرات الحربية وأنظمة الدفاع الجوي في دول الخطوط الأمامية، ضمن مبادرة “الحارس الشرقي” التي تهدف إلى ربط الأصول المتاحة بشكل أفضل وتوجيهها سريعاً إلى النقاط الساخنة.

وأوضح روته أن هذه التعزيزات «لا تضيف أصولاً فقط، بل تربط بشكل أفضل ما هو متاح أصلًا على طول جانبنا الشرقي».

كما أعلن التحالف عن إجراءات إضافية تهدف إلى سد أي فجوات محتملة ناجمة عن تحركات عسكرية أحادية الجانب، مؤكداً أن «31 دولة ستأتي لإنقاذ رومانيا» إذا تعرضت لهذا الاختبار، في إشارة إلى ضمانات المادة الخامسة والرد الجماعي للحلف.

وتبقى المعضلة أن الولايات المتحدة ما زالت تحتفظ بنحو 85 ألف جندي في أوروبا، بينهم نحو 20 ألف تم نشرهم بعد غزو أوكرانيا في 2022.

بينما سيشمل الانسحاب المعلن تقليصاً في التواجد الأمريكي في قاعدة ميخائيل كوجالنيشينو الجوية شرق رومانيا، وهي نقطة محورية لعمليات الناتو في البحر الأسود؛ مما يفسر الحساسية السياسية المحيطة بهذا القرار.

في ختام تصريحاته، كرّر روته أن الناتو جاهز لتعزيز وجوده بسرعة عند الحاجة، وأن التحالف سيعتمد على آليات التنسيق ونشر القدرات التي طُوّرت خلال الأعوام الأخيرة.

ومع ذلك، يبقى السؤال مفتوحاً حول مدى قدرة الحلف على ضمان الردع الفعّال في وجه مزيج التكتيكات الروسية، خصوصاً إذا ما استمرّ الضغوط السياسية والجدالات الداخلية حول توزيع الأعباء والتوازن بين الالتزامات الإقليمية والأولويات الوطنية.

قد يعجبك ايضا