برلين تقترح مشروع قانون لفرض ضريبة بنسبة 10% على المنصات الرقمية الكبرى
تعمل وزارة الثقافة الألمانية حاليًا على إعداد مشروع قانون جديد يهدف إلى فرض ضريبة على المنصات الرقمية الكبرى التي تستخدم المحتوى الإعلامي، مع استهداف واضح لشركات التكنولوجيا الأمريكية العملاقة مثل جوجل (ألفابت)، ميتا (فيسبوك سابقًا)، وآبل. وجاء هذا الإعلان في مقابلة أجراها وزير الثقافة الألماني ولفرام فايمر مع مجلة “شتيرن”، حيث أكد أن معدل الضريبة المقترح يبلغ 10% ويُعتبر “معتدلاً ومشروعًا”.
خلفية التحرك الألماني
تمثل هذه الخطوة جزءًا من تحركات أوسع في أوروبا لمكافحة ما يُطلق عليه “الإعفاءات الضريبية المفرطة” التي تستفيد منها شركات التكنولوجيا العالمية، والتي غالبًا ما تحقق أرباحًا ضخمة في أسواق دولية دون دفع الضرائب المناسبة في تلك البلدان.
تأتي المبادرة الألمانية بعد نجاح تجربة مماثلة في النمسا، حيث فُرضت ضريبة رقمية على المنصات الكبرى بهدف تحقيق إيرادات إضافية من الاقتصاد الرقمي، ودعم الصناعات الإعلامية المحلية التي تواجه تحديات كبيرة من حيث تمويل المحتوى ومنافسة المنصات الرقمية.
وقال وزير الثقافة فايمر في تصريحات صحفية: “المنصات الرقمية الأمريكية الكبرى، مثل ألفابت/جوجل وميتا وغيرها، مدرجة ضمن جدول أعمالي. نعتبر معدل الضريبة بنسبة 10% معتدلاً ومشروعًا”. وأضاف أن المشروع سيُصاغ “على غرار ضريبة مماثلة موجودة بالفعل في النمسا”.
أسباب الضريبة الرقمية وأهدافها
تهدف الضريبة الرقمية إلى ضمان أن المنصات الكبرى التي تعتمد على نشر المحتوى الإعلامي من خلال شبكاتها الإلكترونية تسهم بشكل عادل في تمويل المحتوى والمصادر الإعلامية المحلية، التي تشكل العمود الفقري للصحافة والإعلام في ألمانيا وأوروبا.
في السنوات الأخيرة، تصاعدت انتقادات وسائل الإعلام التقليدية في ألمانيا تجاه شركات التكنولوجيا الكبرى، حيث يرون أن هذه المنصات تستفيد من محتواهم دون تعويض مناسب، مما يهدد استدامة الإعلام المستقل ويجبر المؤسسات الإعلامية على مواجهة أزمات مالية متزايدة.
وبالإضافة إلى الجوانب الاقتصادية، تعكس الضريبة رغبة ألمانيا في فرض قواعد ضريبية أكثر عدالة في الاقتصاد الرقمي العالمي، وتقليل الهيمنة الأمريكية في هذا المجال، من خلال فرض رسوم تساهم في دعم الاقتصاد الوطني.
ردود الفعل السياسية والاقتصادية
تأتي هذه الخطوة وسط توازن دقيق في السياسة الألمانية، حيث أن فرض ضريبة رقمية على المنصات الأمريكية قد يثير توترات دبلوماسية وتجارية بين ألمانيا والولايات المتحدة.
ويُذكر أن إدارة ترامب السابقة قد فرضت تعريفات جمركية على سلع أوروبية، الأمر الذي ألحق ضررًا كبيرًا بالاقتصاد الألماني الذي يعتمد بشكل كبير على التصدير، وخاصة إلى السوق الأمريكية.
ومع ذلك، يحاول المسؤولون الألمان، بمن فيهم وزير الثقافة فايمر، اتخاذ نهج متوازن في هذا الملف. فقد أكد فايمر أنه دعا ممثلين من جوجل وشركات صناعة التكنولوجيا إلى مشاورات في المستشارية بهدف دراسة بدائل مثل الالتزامات الطوعية قبل أن تُفرض الضرائب.
وقال: “في الوقت نفسه، نُعِدّ مشروع قانون” للضغط على هذه الشركات لضمان دفع حصتها من الضرائب بشكل عادل.
الدعم والتنسيق مع المستشارية الأوروبية
يُعتقد أن هذه الخطوة تنسجم مع اتجاه أوسع في الاتحاد الأوروبي. ففي وقت سابق من مايو 2025، طرحت المفوضية الأوروبية اقتراحًا لفرض ضرائب رقمية على الشركات الكبرى لجمع الأموال لسداد ديون الاتحاد البالغة 350 مليار يورو الناتجة عن جائحة كوفيد-19.
رغم أن ألمانيا كانت من بين الدول التي أبدت تحفظًا على هذا الاقتراح الأوروبي في البداية، إلا أن التحول في الموقف الألماني يعكس تنسيقًا داخليًا بين وزارة الثقافة والمستشارية الألمانية الجديدة بقيادة المستشار فريدريش ميرز.
وفي تصريحات أُذيعت مؤخرًا، أكد ميرز على ضرورة مراجعة موقف ألمانيا من شركات التكنولوجيا الأمريكية في المسألة الضريبية، قائلاً: “نحن متساهلون للغاية مع شركات التكنولوجيا الأمريكية فيما يتعلق بالضرائب. لا يجب أن يبقى الأمر على هذا النحو”، لكنه أضاف بحذر: “لا أريد تصعيد هذا النزاع. أريد أن نحلّه معًا”.
التحديات المحتملة
رغم الدعم السياسي النسبي، من المتوقع أن تواجه خطة فرض ضريبة رقمية على المنصات الأمريكية تحديات قانونية ودبلوماسية.
من الناحية القانونية، قد تواجه الضريبة انتقادات في المحاكم الأوروبية والدولية، حيث قد تجادل الشركات الرقمية بأنها تستهدف بشكل غير عادل بسبب جنسيتها وموقعها.
من ناحية العلاقات الدولية، قد تتسبب هذه الضريبة في توتر إضافي في العلاقات بين ألمانيا والولايات المتحدة، التي قد ترد باتخاذ إجراءات مماثلة ضد الشركات الألمانية أو حتى فرض قيود على صادرات ألمانيا إلى أمريكا.
كما يُنتظر أن يناقش البرلمان الألماني تفاصيل مشروع القانون، حيث سيُنظر إلى آثار الضريبة على الابتكار الرقمي وبيئة الأعمال، خاصة مع دور التكنولوجيا الحيوية في الاقتصاد الحديث.
التأثير المتوقع على شركات التكنولوجيا
إذا تم إقرار الضريبة، فسيتعين على شركات مثل جوجل وأبل ومايكروسوفت وميتا دفع 10% من إيراداتها التي تُحققها عبر استخدام المحتوى الإعلامي على أراضي ألمانيا.
قد تؤدي هذه الضريبة إلى زيادة التكاليف التشغيلية لهذه الشركات، ما قد ينعكس جزئيًا على المستخدمين الأوروبيين في صورة زيادة الأسعار أو تقليل الخدمات.
ومع ذلك، يرى بعض الخبراء أن هذه الخطوة ضرورية لضمان العدالة الاقتصادية وتوزيع العوائد بشكل أكثر إنصافًا بين عمالقة التكنولوجيا والصناعات الإعلامية التي تغذي محتواها.
التوجهات المستقبلية
تعكس الخطوة الألمانية تحولًا ملحوظًا في السياسات الضريبية الدولية تجاه اقتصاد الرقمنة، حيث بدأت الدول في التركيز على كيفية فرض الضرائب على شركات التقنية العملاقة التي غالبًا ما تتخذ من الثغرات القانونية في نظام الضرائب الدولي ملاذًا لتجنب دفع حصصها العادلة.
كما تدعم هذه الخطوة النقاش العالمي حول تعديل قواعد الضرائب الدولية، خاصة في إطار منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD)، التي تسعى لوضع معايير جديدة لتوزيع الضرائب على الاقتصاد الرقمي.
ومع استمرار نمو تأثير المنصات الرقمية العملاقة في الاقتصاد العالمي، تمثل مبادرة ألمانيا لفرض ضريبة رقمية بنسبة 10% محاولة جادة لتحقيق توازن بين دعم الابتكار الرقمي وحماية الاقتصاد الوطني والصناعات الإعلامية المحلية.
يبقى أن نتابع كيف ستتطور المناقشات داخل برلين وبين الأطراف الدولية المعنية، وكيف ستنجح ألمانيا في فرض هذه الضريبة في ظل حساسيات العلاقات الدولية مع الولايات المتحدة وتأثيرها على الاقتصاد الألماني.