بريكست… مرافق حدودية كلفت 800 مليون جنيه تواجه مصيرًا مجهولًا
على امتداد السواحل البريطانية، تنتصب مرافق حدودية عبارة عن مبانٍ خرسانية عملاقة بُنيت على عجل عقب خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي.
وقد كان يُفترض أن تكون مراكز تفتيش حدودية متطورة لفحص البضائع والأغذية والنباتات الواردة من أوروبا.
لكن هذه المنشآت التي كلّفت دافعي الضرائب أكثر من 800 مليون جنيه إسترليني، أصبحت الآن أقرب إلى “فيلة بيضاء” مهجورة تواجه خطر أن تُصبح بلا جدوى في غضون سنوات قليلة.
استثمارات هائلة… واستخدام محدود
بحسب حسابات صحيفة بوليتيكو، أنفقت الحكومة البريطانية 711 مليون جنيه على مرافق الحدود الداخلية منذ 2020، إضافة إلى 120 مليون جنيه أنفقتها الموانئ نفسها. كثير من هذه المرافق لم يُفتتح قط، وبعضها الآخر يعمل بأدنى طاقته.
في ميناء بورتسموث الدولي، الذي يديره مجلس المدينة، جرى استثمار أكثر من 23 مليون جنيه، منها 6 ملايين من الخزينة المحلية، لبناء مركز تفتيش جاهز منذ 2022.
لكن بعد عامين من افتتاحه، لم يشهد سوى ثلاث عمليات تفتيش يوميًا في المتوسط، مقارنة بالتوقعات التي بلغت 80 عملية. اليوم، لا يُستخدم سوى ثلث المبنى، بينما يحقق الميناء خسائر سنوية تقدر بـ 385 ألف جنيه.
يقول مدير الميناء مايك سيلرز: “بُني المركز ليستوعب حركة ضخمة، لكنه فارغ تقريبًا… ومع اتفاقية الصحة النباتية القادمة مع الاتحاد الأوروبي، قد لا نحتاجه أصلًا بعد عامين.”
صفقة SPS تغيّر المعادلة
في مايو/أيار الماضي، أعلنت حكومة حزب العمال الجديدة ورئيس الوزراء كير ستارمر عن التوصل إلى اتفاق مبدئي مع بروكسل لعقد اتفاقية الصحة والصحة النباتية (SPS) بحلول 2027.
وهذه الاتفاقية ستُزيل معظم عمليات التفتيش على الأغذية والنباتات القادمة من الاتحاد الأوروبي، عبر مواءمة بريطانيا لمعاييرها مع بروكسل.
بالنسبة للحكومة، هذه الخطوة تعني تقليل البيروقراطية وتخفيض الأسعار للمستهلكين. لكن بالنسبة للموانئ، فإنها تعني أن الاستثمارات الضخمة في مرافق التفتيش قد تصبح عديمة الجدوى بالكامل.
معضلة التوظيف والمستقبل
غياب الوضوح بشأن مستقبل هذه المرافق يخلق ارتباكًا إداريًا ومخاوف على الوظائف. في سيفينجتون بمقاطعة كِنت، يعمل نحو 150 موظفًا في فحص الأغذية عبر ميناء دوفر ونفق المانش. لكن مديريهم يحذرون من تراجع الروح المعنوية واستقالات متزايدة.
يقول أنتوني بالدوك، المدير المؤسسي للصحة والرفاهية: “الحكومة وافقت على أمرٍ ما، لكننا لا نعرف تفاصيله ولا متى سيُطبق. وفي هذه الأثناء، من الصعب الاحتفاظ بالموظفين أو جذب آخرين للعمل.”
ويكشف التقرير أن الحكومة أنفقت:
391 مليون جنيه لإنشاء مواقع في هولي هيد (ويلز) وسيفينجتون (كِنت).
258 مليون جنيه لبناء وتشغيل ثم تفكيك ثمانية مواقع مؤقتة ثبت أنها غير ضرورية.
62 مليون جنيه على منشآت في دوفر لم تُستخدم قط.
هذه الأرقام تعكس حجم الإهدار الناجم عن تغييرات متكررة في نظام الحدود البريطاني بعد بريكست.
خيارات غير جذابة
الموانئ الآن أمام خيارين:
إعادة توظيف المباني كمستودعات أو مرافق تجارية، ما يتطلب استثمارات إضافية بملايين الجنيهات.
هدمها وتخصيص الأراضي لاستخدامات أخرى، وهو بدوره قرار مكلف سياسيًا وماليًا.
كما عبّر مسؤول ميناء كبير عن الإحباط قائلًا: “لقد كان خط الحدود كله قصةً مؤسفةً… ضاعت فيها أموال طائلة وجهود ضخمة، ونحن الآن عالقون في أسوأ الظروف.”
وعليه تكشف قصة المرافق الحدودية عن إرث باهظ الثمن لبريكست: استثمارات بمئات الملايين تحولت إلى مبانٍ فارغة، وموظفون قلقون على مستقبلهم، وموانئ عالقة بين قرارات حكومية متناقضة.
وبينما يروّج ستارمر لاتفاقية SPS باعتبارها خطوة لإحياء العلاقات مع أوروبا، فإنها في الوقت نفسه تهدد بجعل هذه المراكز رموزًا ملموسة للهدر والفشل الإداري.