ترامب يتلاعب بالدستور ويختبر استعداد أمريكا للتطبيع مع الاستبداد
في عام 1947، عندما استولى الجمهوريون على الكونغرس الأمريكي، كانوا غاضبين من فوز الرئيس فرانكلين روزفلت بولاية رابعة في عام 1944. وقد سعوا إلى تمرير تعديل دستوري يحد من عدد فترات الرئاسة إلى فترتين فقط، مع تحذير أطلقه النائب الجمهوري عن ولاية تينيسي، جون جينينغز، الذي قال إن ذلك كان ضرورياً لمنع ظهور “ديكتاتور” في البيت الأبيض.
وكان جينينغز قد حذر في جلسة الكونغرس قائلاً: “بدون هذا الحد من عدد الفترات، قد يأتي يوم يصبح فيه رجل طموح إلى حد خطير رئيساً، وإذا حظي بـ”كونغرس خاضع” ومحكمة عليا مطيعة، قد يطيح بالضمانات الدستورية”. هذا التحذير كان يهدف إلى تفادي أن يصبح الرئيس في النهاية “ملكاً فعلياً”، لا تقيده ضوابط الدستور ولا توازناته.
بعد اعتماد التعديل الثاني والعشرين عام 1951، الذي حدد فترة الرئاسة الأمريكية بولايتين فقط، لم يتجرأ أي رئيس على التحايل عليه حتى وقت قريب. ولكن اليوم، يبدو أن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب يختبر حدود الدستور الأمريكي.
في تصريحات مثيرة للجدل خلال حملته الانتخابية الأخيرة، أشار ترامب إلى فكرة الترشح لولاية ثالثة بعد إعادة انتخابه في نوفمبر الماضي. وقال: “أظن أنني لن أترشح مجدداً، إلا إذا قلتم: ‘إنه جيد جداً، وعلينا أن نجد حلاً آخر'”. وعلى الرغم من الضحك الذي قوبلت به هذه التصريحات في القاعة، أضاف في مارس الماضي: “هناك طرق يمكن فعل ذلك من خلالها”. ورغم محاولاته للعودة عن هذه الفكرة، عاد ليؤكد في مقابلة مع NBC News أنه “على حد علمي، هذا شيء غير مسموح به”، لكنه أضاف: “حسناً، هناك طرق للقيام بذلك”.
ومع استمرار مبيعات المنتجات التي تحمل شعار “ترامب 2028” على موقعه الرسمي، والتي تشمل قبعات بيسبول وقمصان تحمل عبارة “أعد كتابة القواعد”، يظل الرئيس السابق يثير الشكوك حول حدود السلطة الرئاسية في الولايات المتحدة.
حتى حين يظهر ترامب وكأنه يتراجع عن هذه الفكرة، إلا أنه يزرع شكوكاً في ذهن الجمهور حول إمكانية التلاعب بالنظام الدستوري. ويعتبر هذا التكتيك جزءاً من أسلوبه الذي يستخدمه لطرح أفكار متطرفة قد تبدو بعيدة عن الواقع، لكنه يعمد إلى اختبار ما الذي يُقبل فعلاً في النقاش العام.
تجدر الإشارة إلى أن ترامب، طوال فترة رئاسته، أظهر ازدراءً متكررًا للقيود الدستورية على سلطات الرئيس. فقد حاول تجاوز قرارات قضائية، وألغى بعض السياسات الهجرة دون إجراءات قانونية، بل سعى إلى إلغاء مبدأ الجنسية بالولادة من خلال أوامر تنفيذية، مما يعكس رغبته في تجاوز الضوابط القانونية.
لكن على الرغم من هذه السلوكيات المثيرة للجدل، فإن الرد المناسب من النظام السياسي، خاصة من أعضاء الكونغرس الجمهوريين، يجب أن يكون واضحاً وصارماً. لا يجوز لأحد أن يدعي أن التعديل الثاني والعشرين قابل للتلاعب. هذا التعديل ينص بوضوح على أنه “لا يجوز انتخاب أي شخص لمنصب الرئيس أكثر من مرتين”.
ومع ذلك، طرح ترامب في بعض الأحيان فكرة أن رئيساً انتهت ولايته يمكن أن يترشح كنائب رئيس، ثم يتولى منصب الرئيس في حالة استقالة الرئيس. لكن هذا السيناريو يتعارض مع التعديل الثاني عشر الذي ينص على أن “أي شخص غير مؤهل دستورياً لمنصب الرئيس لا يمكن أن يكون مؤهلاً لمنصب نائب الرئيس”. هذه النصوص توضح أن فترة رئاسة ترامب قد انتهت في فترتين، ولا يمكنه الترشح مجدداً وفقاً للدستور.
لقد استمر الجدل حول هذا التعديل منذ عام 1951، حيث دعا بعض السياسيين من كلا الحزبين لإلغاء التعديل، مثل هاري ترومان وميتس ماكونيل. لكن لم يجرؤ أي منهم على القول إن التعديل غير واضح أو يمكن التلاعب به بسهولة. بل كان الجميع يدرك أن من يريد تغيير القانون عليه اتباع مسار قانوني لتعديله.
إذا كان ترامب وأنصاره يعتقدون أن لديهم الدعم الكافي لإلغاء التعديل، فإنهم يجب أن يبدأوا حملة قانونية من أجل ذلك. لكن ما لا يمكنهم فعله هو إضعاف القيم الدستورية والتظاهر بأن أجزاء من الدستور مجرد اقتراحات. الدستور الأمريكي ليس مجالاً للتلاعب، بل هو القانون الذي يحكم البلاد، ويجب احترامه من قبل الجميع، بما في ذلك أولئك الذين يطمحون إلى العودة إلى السلطة.
وفي الوقت الذي يختبر فيه ترامب حدود الدستور، يتعين على الأمريكيين أن يظلوا يقظين في حماية القيم الديمقراطية التي يقوم عليها نظامهم السياسي. فمن خلال احترام الدستور وتطبيقه بصرامة، يمكنهم ضمان أن تظل الولايات المتحدة دولة تحتفظ بنظامها الديمقراطي وتعزز من مكانتها كداعم للحرية والمساواة.