اتفاقيات ترامب التجارية… “الشيطان في التفاصيل” يثير ارتباك الحلفاء والأسواق
يثير النهج التجاري الذي يتبعه الرئيس الأميركي دونالد ترامب، في ولايته الثانية، موجة ارتباك في أوساط الحلفاء والمستثمرين العالميين، بعد أن اعتمد سياسة “الإعلان أولًا، والتفاصيل لاحقًا” في عدد من الاتفاقيات التجارية الكبرى التي أُعلن عنها مؤخرًا.
ورغم الأرقام الضخمة التي تصدّرت عناوين الأخبار، فإن غياب الوثائق الرسمية والتفاصيل الدقيقة أثار مخاوف من أن تكون هذه الصفقات أقل متانة وأقرب إلى التفاهمات السياسية منها إلى اتفاقيات تجارية مؤسسية، بحسب خبراء اقتصاديين.
إعلانات صاخبة… ونصوص غائبة
خلافًا للممارسات التقليدية في إبرام الاتفاقات التجارية الدولية التي تقوم على صياغات قانونية مفصلة وتفاوض تقني دقيق، يعتمد ترامب على أسلوب مباشر ومرتجل، يُعلن فيه عن صفقات ضخمة في مؤتمرات صحفية أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي، دون تقديم نصوص مكتملة أو جداول تنفيذ.
وكتبت سارة بيانكي، من شركة “إيفركور آي إس آي”، في مذكرة تحليلية: “في العديد من الصفقات الأخيرة، لاحظنا أن الأطراف المختلفة قدّمت تفسيرات متناقضة لنفس الإعلان، مما يشير إلى ضعف في التنسيق وغموض في التفاصيل الأساسية”.
وأضافت: “هذا يخلق حالة من الغموض، وقد يؤدي إلى تصادم في المصالح لاحقًا، خاصة أن الاتفاقات تُطرح كأمر واقع قبل حسم التفاصيل الدقيقة”.
أوروبا: تفاهم أم سوء فهم؟
أحد أوضح الأمثلة على هذا الارتباك كان في الاتفاق التجاري مع الاتحاد الأوروبي، حيث أعلن البيت الأبيض فرض رسوم بنسبة 50% على واردات المعادن الأوروبية، في حين أكدت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين أن الاتفاق ينص على خفض الرسوم لا زيادتها، مع اعتماد نظام حصص مرن.
ويُثير هذا التباين تساؤلات حول إمكانية تنفيذ التزامات أوروبية أخرى، مثل شراء طاقة أميركية بقيمة 750 مليار دولار، واستثمارات إضافية بـ600 مليار دولار، وهي أرقام يعتبرها اقتصاديون غير واقعية.
المملكة المتحدة واليابان: التفاوت واضح
الاتفاق مع بريطانيا، الذي رُوّج له كخطوة نوعية، لا يزال يفتقر إلى التطبيق الكامل، خصوصًا فيما يتعلق بخفض الرسوم الجمركية على الصلب والألمنيوم.
أما الصفقة مع اليابان، فقد تضمنت إعلانًا أميركيًا عن التزام طوكيو باستثمار 550 مليار دولار في السوق الأميركية، بينما نفى كبير المفاوضين اليابانيين ريوسي أكازاوا صحة هذا الرقم، مشيرًا إلى أن طوكيو ستستثمر أقل من 2% من هذا المبلغ، وأن البقية ستُقدم في شكل قروض مشروطة.
فيتنام: اتفاق غامض
في حالة فيتنام، أعلن الرئيس ترامب عن فرض تعريفة جمركية بنسبة 20% على الصادرات الفيتنامية إلى الولايات المتحدة، لكن السلطات الفيتنامية لم تُصدر أي بيان واضح بشأن شروط الاتفاق أو تفاصيله، بحسب فاينانشيال تايمز.
ويشير هذا الصمت إلى غياب وثائق ملزمة أو تفاهمات واضحة، وهو ما يُضعف من مصداقية الإعلان الأميركي.
البيت الأبيض يدافع: “الإنجاز في الأثر لا النص”
رغم هذا الجدل، دافع البيت الأبيض عن سياسة الرئيس، وصرّح المتحدث باسم الإدارة كوش ديساي بأن: “الرئيس ترامب يستخدم أدوات مثل الرسوم الجمركية للوصول إلى نتائج حقيقية، تمكّن المزارعين والصناعيين الأميركيين من النفاذ إلى أسواق كبرى تزيد قيمتها عن 30 تريليون دولار، ويعيش فيها أكثر من مليار شخص”.
وأضاف: “لسنا مقيدين بالشكل الكلاسيكي للاتفاقيات، بل نُركّز على تحصيل المكاسب الجوهرية، مع استكمال التفاصيل لاحقًا”.
“الشيطان يكمن في التفاصيل”
لكن هذا الطرح لا يُقنع الأسواق المالية. وكتب كارل شاموتا، كبير المحللين في شركة كورباي للمدفوعات: “الشيطان يكمن في التفاصيل. بعض الصفقات التي أُعلن عنها على أنها اختراقات كبرى، تبيّن لاحقًا أنها مجرد نوايا أو تفاهمات شفوية”.
وأضاف: “هذا يضع المستثمرين أمام مخاطرة تقدير قيمة الاتفاق بناءً على الضجيج الإعلامي، دون وجود أسس قانونية واضحة”.
ويعكس أسلوب ترامب التجاري رغبة سياسية واضحة في تحقيق إنجازات سريعة وملموسة داخليًا، لكن الافتقار إلى التفاصيل الدقيقة والنصوص المكتوبة يعرّض هذه الاتفاقات للاهتزاز في حال تغيّر المزاج السياسي أو الإداري داخل أي من الدول المعنية.
وفي حين يُشيد أنصاره بهذا النهج بوصفه عمليًا وفعّالًا، يرى منتقدوه أن “الصفقات بلا نصوص” لا تضمن استقرارًا طويل الأمد، وتترك الأسواق والدول أمام احتمالات مفتوحة… ومعقّدة.