تركيا تتطلع إلى مزيد من الاكتشافات الغازية بعد إعلان احتياطي جديد بقيمة 30 مليار دولار
أعلنت تركيا مؤخرًا عن اكتشاف احتياطي جديد للغاز الطبيعي في البحر الأسود، يقدر حجمه بحوالي 75 مليار متر مكعب، بقيمة اقتصادية تقارب 30 مليار دولار. جاء هذا الإعلان في بئر “غوكتيبي-3” الذي يقع على عمق 3500 متر تحت سطح البحر، مما يعكس جهود أنقرة الحثيثة لتوسيع إنتاجها المحلي من الغاز الطبيعي وتقليل اعتمادها على الواردات الخارجية.
صرح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن هذا الاحتياطي الجديد يكفي لتلبية احتياجات تركيا من الغاز المحلي لمدة تزيد على ثلاث سنوات ونصف، وهو إنجاز مهم يعزز من أمن الطاقة في البلاد. ويأتي هذا الاكتشاف ضمن سلسلة جهود مستمرة في مجال استكشاف الغاز في البحر الأسود، التي بدأت مع الإعلان عن حقل ساكاريا في عام 2020، والذي يحتوي على احتياطي ضخم يصل إلى 320 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي.
وفقًا لصحبة كربوز، مدير الموارد الطبيعية وأمن الطاقة في جمعية البحر الأبيض المتوسط للطاقة في باريس، فإن تركيا تتوقع اكتشافات إضافية في المستقبل القريب بفضل عمليات الاستكشاف الموسعة لكل من الغاز التقليدي وغير التقليدي. وأشار إلى أن المرحلة الأولى من تطوير حقل ساكاريا تم إنجازها، حيث ينتج الحقل حاليا حوالي 10 ملايين متر مكعب من الغاز يوميًا من خلال 12 بئراً، ومن المتوقع أن يرتفع الإنتاج إلى 20 مليون متر مكعب يوميًا خلال العام المقبل مع انطلاق المرحلة الثانية. وبحلول عام 2028، قد يصل الإنتاج السنوي إلى حوالي 14 مليار متر مكعب، ما يعزز قدرات تركيا على الاعتماد على مواردها المحلية.
يذكر أن تركيا تستورد حالياً أكثر من 95% من حاجتها من الغاز الطبيعي، الذي بلغ استهلاكها منه نحو 53 مليار متر مكعب في العام الماضي، بينما لم يصل إنتاجها المحلي سوى إلى 2.3 مليار متر مكعب فقط. وتعتمد البلاد بشكل رئيسي على واردات الغاز من روسيا وأذربيجان وإيران، إلى جانب استيراد الغاز الطبيعي المسال من دول أخرى. لذلك، يشكل تطوير حقول الغاز المحلية خطوة استراتيجية حيوية لتقليل الاعتماد على المصادر الخارجية وتعزيز أمن الطاقة الوطني.
ويؤكد روبن ميلز، الرئيس التنفيذي لشركة قمر للطاقة، أن الحقل الجديد ليس بحجم حقل ساكاريا الذي اكتشف في 2020، لكنه يشكل إضافة مفيدة مهمة، خصوصًا مع غياب الإنتاج المحلي تقريبًا قبل اكتشاف حقل ساكاريا. ويُعَد هذا الاكتشاف دلالة على إمكانية استمرار تحقيق مكاسب إضافية في قطاع الغاز التركي.
كما تشير المحللة رانيا جول من شركة الوساطة XS.com إلى أن هذه الاكتشافات تسهم في تعزيز أمن الطاقة بتركيا من خلال توفير إمدادات أكثر استقرارًا وأقل عرضة للتقلبات الجيوسياسية التي تؤثر عادة على أسعار وتوافر الغاز في الأسواق العالمية. وتضيف أن المشاريع القائمة قد تجذب مزيدًا من الاستثمار الأجنبي المباشر، وتساعد في دفع النمو الاقتصادي للبلاد. علاوة على ذلك، من شأنها أن تعزز مكانة تركيا كمركز إقليمي للطاقة، خاصة مع ربط خطوط أنابيب مثل خط أنابيب الغاز الطبيعي عبر الأناضول (تاناب) الذي يسهل نقل الغاز من الدول المجاورة إلى الأسواق الأوروبية.
في إطار تنويع مصادر الطاقة، تعمل تركيا أيضًا على بناء شراكات دولية جديدة. فقد وقعت مؤخرًا اتفاقية مع تركمانستان تسمح بتدفق الغاز الطبيعي التركماني إلى تركيا عبر إيران، مما يوسع خيارات التوريد ويعزز أمن الإمدادات. وتتم مناقشة مشروع لبناء خط أنابيب عبر بحر قزوين من تركمانستان إلى أذربيجان، ثم إلى تركيا، في إطار تعاون طويل الأمد بين الدول الثلاث.
ويتزايد الطلب العالمي على الغاز الطبيعي بشكل مستمر، كونه يعد وقودًا أنظف مقارنة بالفحم والنفط ويساهم في تقليل الانبعاثات الكربونية والحد من ظاهرة الاحتباس الحراري. وفي هذا السياق، تتوقع شركة شل زيادة الطلب على الغاز الطبيعي المسال بنسبة كبيرة خلال السنوات القادمة، ما يعكس الدور المتنامي للطاقة الغازية في مزيج الطاقة العالمي.
تركيا، من خلال جهودها المكثفة في استكشاف وتطوير موارد الغاز المحلية، تسعى إلى تحقيق أمن الطاقة الوطني وتقليل الاعتماد على واردات الغاز التي قد تتأثر بالاضطرابات الجيوسياسية أو تقلبات السوق. كما يأمل الخبراء في أن تدفع هذه الاكتشافات تركيا إلى تحقيق خطوات كبيرة نحو الاكتفاء الذاتي، وتعزيز مكانتها الإقليمية كمصدر ومرور للطاقة في منطقة حيوية ومتصلة جغرافياً بأوروبا وآسيا.