تركيا تسعى لتعزيز الاستثمارات الإماراتية في الذكاء الاصطناعي وسط تقوية العلاقات الاقتصادية
تسعى تركيا بجدية إلى زيادة حجم الاستثمارات الإماراتية في قطاع الذكاء الاصطناعي، مستفيدة من التحسن الكبير في العلاقات الاقتصادية بين البلدين، خاصة بعد توقيع اتفاقية الشراكة الاقتصادية والتجارية الشاملة (CEPA) عام 2023. يأتي ذلك في ظل استراتيجية تركية طموحة لتعزيز قطاع التكنولوجيا الحديثة، بما في ذلك البنية التحتية الرقمية ومراكز البيانات، كجزء من جهودها لتنويع الاقتصاد ودفع عجلة النمو.
في تصريحات أدلى بها بوراك داغلي أوغلو، رئيس مكتب الاستثمار بالرئاسة التركية، قال: “الإمارات تسعى لتثبيت نفسها كمركز استثماري رائد في مجال الذكاء الاصطناعي، ونحن نرى فرصًا كبيرة لتركيا لتكون شريكًا في هذا القطاع المتنامي. هناك بالفعل نتائج ملموسة من الاستثمارات المشتركة، ونتطلع إلى مزيد من المشاريع المستقبلية.”
وأضاف داغلي أوغلو أن تركيا تمتلك “خط أنابيب قوي لمشاريع البنية التحتية” يشمل مراكز بيانات حديثة، وشبكات اتصال متطورة، وقدرات متزايدة في الطاقة المتجددة، مما يجعلها وجهة جذابة للاستثمارات الإماراتية في مجال التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي.
تعكس هذه التصريحات الواقع المتنامي للعلاقات التجارية بين البلدين، إذ شهدت الاستثمارات المتبادلة نموًا ملموسًا بعد توقيع اتفاقية CEPA التي أسست لإطار قانوني وتقني لتسهيل حركة التجارة والاستثمار بين الإمارات وتركيا. وتم توقيع عدة اتفاقيات تعاون في قطاعات مختلفة مثل التكنولوجيا، التمويل، التصنيع، والبنية التحتية.
وفي هذا السياق، أعلن بنك دبي الإسلامي مؤخرًا عن اتفاقية تمويل بقيمة 150 مليون دولار متوافقة مع الشريعة الإسلامية مع شركة “تركسل”، مزود خدمات الاتصالات والتكنولوجيا الرائد في تركيا، لدعم تطوير البنية التحتية الرقمية التي تشمل مراكز البيانات وتقنيات الحوسبة السحابية والطاقة المتجددة. وتمتد هذه الاتفاقية لخمس سنوات، مما يعكس التزامًا طويل الأمد بين الجانبين.
على صعيد آخر، كشفت شركة “خزنة” التابعة لمجموعة “جي 42” الإماراتية، عن خططها لبناء مركز بيانات مدعومًا بتقنيات الذكاء الاصطناعي في أنقرة، بطاقة استيعابية تصل إلى 100 ميجاواط، في خطوة تعزز من حضور الشركات الإماراتية في السوق التركية التقنية. وتأتي هذه الخطوة ضمن استراتيجية الشركة لتوسيع شبكة مراكز بياناتها بعد استقرار الموقع الجديد.
بالإضافة إلى ذلك، يعكف الجانب التركي على جذب استثمارات إماراتية في قطاعات أخرى ذات أولوية، منها التكنولوجيا الصحية والطاقة المتجددة والتصنيع، في إطار توجهات شاملة لتنويع الاقتصاد وتعزيز الاستدامة.
تعززت العلاقات بين البلدين منذ زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى الإمارات عام 2022، وهي أول زيارة رسمية منذ سنوات، تلتها زيارة الشيخ محمد بن زايد إلى تركيا في 2021، مما ساهم في تفعيل اتفاقيات التعاون الاقتصادي والتجاري. وأظهرت بيانات رسمية نموًا بنسبة 11.5% في التجارة غير النفطية بين الإمارات وتركيا خلال 2024، حيث بلغ حجمها 148.9 مليار درهم (حوالي 40.54 مليار دولار).
وأشار داغلي أوغلو إلى أن “أهم تطور شهدناه هو اتفاقية التجارة الحرة، التي سهلت حركة التجارة والاستثمار بين البلدين، وفتحت الباب أمام زيادة كبيرة في تدفقات رأس المال والاستثمارات المشتركة”.
وأوضح أن الاستثمار ليس من طرف واحد، إذ بدأت الشركات التركية أيضًا تتوسع في الإمارات، مستفيدة من بيئة الأعمال الجذابة هناك. ووفقًا للبيانات الرسمية، بلغت الاستثمارات الإماراتية في تركيا 307 ملايين دولار خلال العام الماضي، بينما سجلت الاستثمارات التركية في الإمارات 576 مليون دولار، ما يعكس تعاونًا متزايدًا بين الجانبين.
ومنذ عام 2002، استثمرت الإمارات ما يقارب 5.9 مليار دولار في تركيا، بينما بلغت الاستثمارات التركية في الإمارات نحو 2.4 مليار دولار خلال الفترة نفسها. ويعمل في تركيا حوالي 604 شركة إماراتية حتى منتصف 2024، حسب مكتب الاستثمار التركي.
يركز الجانب التركي أيضًا على دعم النظام البيئي للشركات الناشئة، التي تُعد محركًا هامًا للنمو والابتكار. قال داغلي أوغلو: “أصدرنا تشريعات جديدة، وقدمنا تمويلًا مباشرًا للشركات الناشئة، وشجعنا صناديق الثروة السيادية على الاستثمار في هذه الشركات. لم يعد تركيزنا فقط على التخارج، بل نطمح لأن تكون الشركات التركية لاعبًا إقليميًا فاعلًا.”
في هذا السياق، أنشأت شركة ADQ القابضة الإماراتية وصندوق الثروة السيادي التركي صندوقًا تقنيًا مشتركًا بقيمة 300 مليون دولار في 2022، يستهدف الاستثمار في شركات ناشئة في مجالات متعددة تشمل الطاقة، الرعاية الصحية، الأغذية والزراعة، التنقل، الخدمات اللوجستية، التعليم والخدمات المالية.
يتوقع أن يواصل الاقتصاد التركي نموه بنسبة 2.7% هذا العام، مع دعم متزايد من الاستثمارات الأجنبية، ولا سيما الإماراتية، في القطاعات الحيوية. وتعتبر العلاقات الاقتصادية بين تركيا والإمارات نموذجًا حديثًا لتقارب استراتيجي مبني على المصالح المتبادلة ورغبة الطرفين في تعزيز التعاون التقني والتجاري في منطقة الشرق الأوسط.