تصاعد الحرب الأهلية في السودان يعيد دور الإمارات إلى الواجهة
عاد التركيز الدولي إلى الدور المزعوم لدولة الإمارات في النزاع السوداني مع سيطرة قوات الدعم السريع على مدينة الفاشر وارتكاب أعمال عنف واسعة النطاق هناك، إذ اتهمت منظمات حقوقية وخبراء تتبع الأسلحة والأمم المتحدة أبوظبي مرارًا بتسهيل وصول الأسلحة والموارد إلى هذه الميليشيا.
وبحسب صحيفة فايننشال تايمز البريطانية، تطرح التطورات الأخيرة تساؤلات جديدة حول مسؤولية شريك إقليمي بارز عن تزايد شراسة القتال والفظائع ضد المدنيين في دارفور.
وقد أورد تقرير للأمم المتحدة أن قوات الدعم السريع، بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، ارتكبت “عمليات قتل جماعي واغتصابًا ونهبًا” خلال سيطرتها على الفاشر.
ووثّقت لجان تحقيق دولية أن أنماط الهجمات طالت مدنيين من قبائل غير عربية في إقليم دارفور، وهو ما دفع إلى إدانة واسعة ونداءات للتحقيق والمساءلة.
وعلى مدى العامين الماضيين تصاعدت التقارير عن إمدادات عسكرية حديثة وصلت إلى عناصر الدعم السريع: صواريخ موجهة، مدافع هاوتزر، طائرات مسيرة وأنظمة دفاع جوي، وهي تسليحات لا تُنتَج محليًا في السودان ولا تُسرّب بسهولة عبر طرق برية بعيدة عن رقابة سلطات.
وأحالت لجنة خبراء الأمم المتحدة أدلة قالت إنها “موثوقة” على أن شحنات مرت عبر تشاد ومرتكزات لوجستية مرتبطة بدول إقليمية، بينها محطات نقل جوي ولوجستيات في شرق أفريقيا.
وأفادت منظمات حقوقية مثل منظمة العفو ومنتدى خبراء تتبع الأسلحة بأن سلاسل الإمداد تُشير إلى مرور شحنات عبر مطارات وجسور جوية كانت تربطها الإمارات بمطارات في ليبيا وتشاد ومناطق أخرى قبل وصولها إلى مناطق سيطرة الميليشيا.
كما تحدثت تقارير عن دور شركات خاصة في ترتيب رحلات شحن وتجنيد مقاتلين أجانب، مما يخلق غموضًا حول حدود مسؤولية الدولة والممثلين الخاصين.
أبوظبي تنفي بشدة الاتهامات. في رد رسمي قالت الإمارات إنها “تدين الفظائع” وتشدّد على موقفها الداعم لجهود التهدئة وعودة الحكم المدني، ووصفت أي مزاعم بأنها “غير دقيقة” ونتيجة تلاعب سياسي.
مع ذلك، فرضت الولايات المتحدة عقوبات في يناير على شبكة شركات مقرها الإمارات متهمة بتمويل أو تزويد الدعم اللوجستي لقوات الدعم السريع، فيما قالت تقارير استخباراتية غربية إن هناك مؤشرات على تدفق مواد عسكرية عبر قنوات معقدة.
التحالف الذي شكلته الرباعية (الولايات المتحدة، الإمارات، مصر، السعودية) لم ينجح حتى الآن في لجم تصاعد القتال، وتوقفت محادثات هدنة في واشنطن قبل سقوط الفاشر، في ظل خلافات حول من يجب أن يبقى أو ينسحب من مناطق المواجهة.
وتشير مصادر دبلوماسية إلى أن الإمارات ضغطت على انسحاب الأطراف من الفاشر رغم أن الجيش، بحسب مدنيين، كان يوفر حماية نسبية للسكان خلال بعض فترات القتال — ما أثار استغرابًا وانتقادات من جهات تعتبر الانسحاب خطوة منحت الميليشيا هامشًا للتمركز والتنكيل بالسكان.
اقتصاديًا، يثير السودان مصالح تجارية إماراتية سابقة ومستقبلية: مشروعات موانئ واستثمارات زراعية وعمليات في قطاع الذهب. تقارير مستقلة ربطت جزءاً من صادرات الذهب السوداني بالأسواق في دبي، وهو عامل يجعل نفوذ الإمارات في المنطقة ذا بُعد اقتصادي إلى جانب البُعد السياسي.
ويوضح هذا العامل سبب حفاظ أبوظبي على قنوات تواصل واسعة مع أطراف سودانية متعددة، لكنه يزيد أيضاً من حساسية اتهامات التورط.
في واشنطن، تصاعدت الضغوط السياسية؛ دعا أعضاء في الكونغرس إلى مراجعة العلاقات العسكرية والبيعية مع الإمارات، وطالب بعضهم بتجميد صادرات أسلحة إلى أن تتضح حقيقة الاتهامات. على المستوى الدولي، تزداد المطالبات بفتح تحقيقات مستقلة في شحنات الأسلحة ومسارات التمويل التي غذّت القتال.
مع تزايد الوثائق والشهادات التي تشير إلى أن قوات الدعم السريع جهّزت بأسلحة متقدمة خلال تصاعد النزاع، يواجه السلوك الإماراتي اختبارًا دبلوماسيًا: هل تواصل أبوظبي إنكار أي دور مباشر أم تقطع علاقاتها مع عناصر مسلحة لتحفظ صورتها كوسيط إقليمي؟.
أما على الأرض، فثمن الصراع يدفعه المدنيون السودانيون الذين يعيشون موجات نزوح وجرائم لا تُحصى، فيما يزداد تعقيد المسار السياسي لأي حل سلمي يضمن مساءلة مرتكبي الانتهاكات واستعادة الدولة لشرعيتها.