تضخم أبريل يفاجئ البريطانيين ويؤثر على خطط بنك إنجلترا وسط مكاسب لحزب العمال
شهد الاقتصاد البريطاني “أبريلًا رهيبًا” بحسب وصف المحللين، بعدما كشفت بيانات رسمية عن ارتفاع معدل التضخم مجددًا إلى 3.5% خلال الشهر الماضي، وهو أعلى مستوى يسجله منذ يناير 2024. والارتفاع غير المتوقع أثار تساؤلات حول قدرة بنك إنجلترا على خفض أسعار الفائدة هذا العام، رغم تطمينات مسؤوليه بأن الاتجاه العام للتضخم لا يزال تحت السيطرة.
ووفقًا لمكتب الإحصاءات الوطنية، فقد قفز مؤشر أسعار المستهلكين الرئيسي (CPI) بنسبة 3.5% على أساس سنوي، بينما ارتفع مؤشر CPIH الأوسع نطاقًا، الذي يشمل تكاليف السكن، إلى 4.1%. وبهذا يكون التضخم قد تجاوز هدف البنك المركزي البالغ 2% للسنة الرابعة على التوالي.
وتعود القفزة في الأسعار إلى عوامل متعددة، أبرزها زيادات حادة في فواتير الطاقة والمياه وضريبة المجلس المحلي وتكاليف النقل، ولا سيما أجور السكك الحديدية. وقد ساهمت تعديلات هيئة تنظيم الطاقة (Ofgem) في رفع أسعار الطاقة المنزلية بنسبة 6.4%، بعد أن تتبعت عن كثب أسعار الجملة العالمية.
كما ألقى القرار الحكومي بزيادة رسوم المياه—الذي أقرته حكومة حزب العمال لمواجهة التلوث المزمن الذي ورثته عن حكومة المحافظين السابقة—بظلاله على الأُسر البريطانية، التي تعاني أصلًا من ضغوط معيشية متزايدة.
حسابات السياسة النقدية على المحك
يأتي هذا التطور بينما لا يزال بنك إنجلترا يحاول موازنة خطته لخفض أسعار الفائدة تدريجيًا مع الواقع الاقتصادي الذي تفرضه الضغوط التضخمية المتصاعدة. وكان البنك قد خفّض بالفعل سعر الفائدة البنكية إلى 4.25% هذا الشهر، لكن أحد أبرز صقور لجنة السياسة النقدية، كبير الاقتصاديين هيو بيل، عبّر مؤخرًا عن ثقته بأن “عملية خفض التضخم لا تزال على المسار الصحيح”، مضيفًا أن المسار المرجّح لسعر الفائدة هو نحو الانخفاض “تدريجيًا وحذرًا”.
غير أن المفاجأة التي حملتها بيانات أبريل قد تدفع صانعي السياسات إلى إعادة النظر في وتيرة هذه التخفيضات، خصوصًا مع بقاء العديد من العوامل الهيكلية التي تغذي التضخم خارج نطاق السيطرة الفورية، كمحددات الأسعار الحكومية.
فرصة سياسية لحزب العمال
رغم التداعيات الاقتصادية، يرى مراقبون أن هذه التطورات قد تصب في مصلحة حزب العمال الحاكم، الذي يسعى لتعزيز صورته كطرف مسؤول يتخذ قرارات صعبة لمعالجة إرث المحافظين الاقتصادي. إذ اعتُبر رفع رسوم المياه خطوة جريئة لمعالجة عقود من الإهمال في البنية التحتية ومعالجة التلوث البيئي الذي تفاقم خلال السنوات الماضية.
وفي الوقت الذي يشير فيه البعض إلى أن ارتفاع التضخم قد يضعف ثقة المواطنين بالحكومة، يرى آخرون أن المكاشفة والشفافية في السياسات، إلى جانب توجيه أصابع الاتهام إلى الحكومات السابقة، قد تمنح حزب العمال غطاءً سياسياً لاستمرار الإصلاحات.
الأسواق تترقب… والمؤشرات تستجيب
على صعيد الأسواق، ارتفع مؤشر “فوتسي 100” البريطاني في تعاملات الأربعاء، مستفيدًا من عوامل دولية أبرزها قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بإعفاء واردات الإلكترونيات من الرسوم الجمركية، مما أنعش آمال المستثمرين في تخفيف التوترات التجارية العالمية.
لكن في الداخل البريطاني، يترقب المستثمرون خطوات بنك إنجلترا المقبلة، حيث من المتوقع أن تكون بيانات التضخم للفصول القادمة حاسمة في تحديد توقيت ومسار السياسة النقدية.
نظرة مستقبلية حذرة
تشير التوقعات الحالية لبنك إنجلترا إلى ارتفاع طفيف في معدل التضخم إلى 3.7% بحلول سبتمبر، قبل أن يعود إلى الانخفاض التدريجي. غير أن الأداء المفاجئ في أبريل يعكس هشاشة هذه التوقعات، ويُبرز الدور المتقلب الذي تلعبه أسعار السلع والخدمات المُنظّمة في تحريك مؤشر الأسعار العام.
ومع اقتراب الصيف، ستتركز الأنظار على تطورات أسعار الطاقة العالمية، وفعالية السياسات الحكومية في كبح جماح الفواتير المنزلية، ومدى قدرة البنك المركزي على السير على الحبل المشدود بين محاربة التضخم ودعم النمو الاقتصادي.