ترامب يلوّح بتعريفات جمركية على 150 دولة: “سيكون الأمر نفسه للجميع”
في خطوة مثيرة للجدل تنذر بمزيد من الاضطرابات في النظام التجاري العالمي، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن نيته فرض رسوم جمركية موحدة على أكثر من 150 دولة وصفها بأنها “صغيرة” ولا تُجري “الكثير من الأعمال التجارية”، معتبرًا أن التعامل معها لا يستدعي مفاوضات فردية.
جاء إعلان ترامب خلال اجتماع في المكتب البيضاوي مع ولي عهد البحرين، الأمير سلمان بن حمد آل خليفة، حيث قال للصحفيين: “سيكون الأمر متشابهًا للجميع، لتلك المجموعة… إنها ليست دولًا كبيرة، ليست مثل الصين أو اليابان”. وأضاف أن هذه الدول ستتلقى إشعارات مباشرة بالتعريفات الجديدة، مؤكدًا: “سأرسل رسالة واحدة إلى الجميع”.
تصعيد جديد في سياسة “أميركا أولاً”
منذ عودته إلى البيت الأبيض في يناير 2025، أعاد ترامب إحياء نهجه المتشدد في السياسة التجارية الذي ميز فترته الأولى. وفي أبريل الماضي، فرض تعريفات جمركية أساسية بنسبة 10% على جميع واردات السلع، مع وعد بزيادتها إلى ما بين 15% و20%. ومع ذلك، لم يحدد الرئيس يوم الأربعاء المعدل الدقيق للتعريفات التي تنوي إدارته فرضها على تلك المجموعة الجديدة من الدول.
وبحسب مصادر في وزارة التجارة الأميركية، فإن الخطوة تستهدف بلدانًا لا تحظى باتفاقات تجارية مباشرة مع الولايات المتحدة ولا تمثل شريكًا اقتصاديًا كبيرًا، لكنها تساهم في إجمالي العجز التجاري الأميركي بنسبة صغيرة.
رسائل سابقة.. وضغوط تفاوضية
سبق لإدارة ترامب أن بعثت برسائل إلى نحو 20 دولة، من بينها الاتحاد الأوروبي، واليابان، وكوريا الجنوبية، لإبلاغها بمعدلات الرسوم الجمركية الجديدة التي ستدخل حيز التنفيذ اعتبارًا من الأول من أغسطس/آب المقبل. وأدى ذلك إلى موجة مفاوضات عاجلة، سعت خلالها الدول المتأثرة إلى التوصل لاتفاقات ثنائية لتخفيف أو تأجيل تطبيق التعريفات.
ويرى مراقبون أن ترامب يستخدم الرسوم الجمركية كسلاح ضغط تفاوضي لتحسين شروط التجارة الأميركية، وهو ما كرره خلال الاجتماع بالقول: “نحن نحصل على صفقات جيدة لأنهم لا يريدون تلك التعريفات”.
الغموض يلف مصير الرسوم
ورغم حدة التهديدات، يظل مصير الرسوم الجديدة غير مؤكد، إذ يخشى بعض مستشاري ترامب من تأثيرها الاقتصادي، خاصة في ظل مؤشرات تباطؤ النمو وارتفاع الأسعار. وتشير تحليلات اقتصادية إلى أن توسيع نطاق التعريفات قد يؤدي إلى اضطراب سلاسل التوريد العالمية، ورفع تكاليف الاستهلاك داخل الولايات المتحدة، مما قد ينعكس سلبًا على معدلات تأييد ترامب قبيل الانتخابات النصفية المقبلة.
وبحسب تقارير صادرة عن وزارة الخزانة، فإن الدول التي لم تتلق بعد إشعارات بالتعريفات، رغم مساهمتها الكبيرة في العجز التجاري الأميركي، تشمل الهند وسويسرا وتايوان، وهي دول تربطها علاقات حساسة ومعقدة بواشنطن.
مفاوضات متناقضة مع الهند
وربما يعكس التردد في فرض الرسوم على دول مثل الهند طبيعة المفاوضات الجارية، إذ وجّه ترامب رسائل متضاربة بشأن مستقبل الاتفاق التجاري معها. ففي تصريح أول قال: “لدينا اتفاق آخر قادم، ربما مع الهند”، ثم تراجع ليقول بعد لحظات: “نحن قريبون جدًا من التوصل إلى اتفاق مع الهند، حيث ينفتحون”.
تُعد الهند شريكًا مهمًا في استراتيجية الولايات المتحدة لموازنة النفوذ الصيني في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، وهو ما قد يفسّر الحذر الأميركي في التعامل معها تجاريًا رغم الخلافات.
اليابان.. نحو المواجهة
أما اليابان، التي تلقّت إشعارًا برفع الرسوم الجمركية إلى 25%، فتبدو في طريق مسدود مع واشنطن، حيث أشار ترامب إلى أن التوصل لاتفاق معها بات مستبعدًا. وقال: “أعتقد أننا سنلتزم بالنص مع اليابان على الأرجح”، في إشارة إلى تطبيق التعريفات بشكل أحادي دون تسوية تفاوضية.
نظام تجاري في مهب الريح
تصريحات ترامب تكشف عن تحول جذري في مقاربة واشنطن للنظام التجاري العالمي، حيث تسعى الولايات المتحدة إلى التخلي عن المعايير المتعددة الأطراف، مثل منظمة التجارة العالمية، لصالح صفقات ثنائية تُفرض شروطها بالقوة.
ويخشى حلفاء واشنطن التقليديون من أن تؤدي هذه السياسة إلى تآكل النظام التجاري الدولي الذي بُني بعد الحرب العالمية الثانية، وإلى موجة من الحمائية المتبادلة التي قد تُغرق الاقتصاد العالمي في ركود جديد.
ومع اقتراب موعد تنفيذ التعريفات، يترقب العالم الخطوة المقبلة من إدارة ترامب، التي تواصل خلط الأوراق التجارية والدبلوماسية على نطاق واسع، وتهدد بإعادة تشكيل المشهد الاقتصادي العالمي وفق رؤية قائمة على القوة والابتزاز.