الخارجية الأمريكية تهاجم أوروبا: “الرقابة ليست حرية تعبير”
في تصعيد جديد للتوترات العابرة للأطلسي حول حرية التعبير، شنّت وزارة الخارجية الأمريكية هجومًا لاذعًا على الاتحاد الأوروبي، متهمة إياه بانتهاج سياسات “أورويلية” في تنظيم المحتوى على الإنترنت، وخاصة عبر قانون الخدمات الرقمية (DSA) المثير للجدل.
وجاء في منشور نشرته الخارجية الأمريكية على منصاتها الرسمية يوم الثلاثاء: “الرسالة الأورويلية التي يبعث بها الاتحاد الأوروبي لن تخدع الولايات المتحدة. الرقابة ليست حرية. آلاف الأشخاص يُدانون بسبب انتقاد حكوماتهم.”
انتقاد صريح لقانون DSA الأوروبي
ويبدو أن الهجوم الأمريكي يركز على قانون الخدمات الرقمية الأوروبي، الذي دخل حيز التنفيذ عام 2022، ويهدف إلى تنظيم عمل المنصات الكبرى مثل Meta وX (تويتر سابقًا) للحد من التضليل، وخطاب الكراهية، والمحتوى غير القانوني.
لكن واشنطن، وخاصة في ظل إدارة ترامب الثانية، تعتبر أن هذا القانون يتجاوز حدوده، ويستخدم كأداة لحماية السياسيين الأوروبيين من الانتقاد الشعبي.
وقالت الخارجية الأمريكية في منشورها دون الخوض في تفاصيل محددة: “كل ما يحميه قانون الخدمات الرقمية هو القادة الأوروبيون من شعوبهم.”
ولم تصدر الوزارة بعد أي تعليق توضيحي رغم توجيه عدة أسئلة متابعة من الصحفيين.
استمرار نهج إدارة ترامب تجاه أوروبا
يتماشى هذا الخطاب مع سياسات إدارة ترامب الأولى، التي كثيرًا ما اشتبكت مع بروكسل بشأن قضايا حرية التعبير، والرقابة على الإنترنت، والخصوصية الرقمية.
وكان بريندان كار، عضو لجنة الاتصالات الفيدرالية الأمريكية، قد حذّر في مارس/آذار الماضي من أن القوانين الأوروبية، وعلى رأسها DSA، “تشكل تهديدًا مباشرًا لحرية التعبير”، وذلك خلال مشاركته في المؤتمر العالمي للجوال في برشلونة.
وفي مؤتمر ميونيخ للأمن الذي عُقد في فبراير/شباط، شنّ نائب الرئيس الأمريكي جي دي فانس هجومًا مماثلًا، قائلاً إن “أوروبا تتراجع عن بعض القيم الليبرالية الأساسية التي ادعت يومًا أنها تحمل رايتها”.
مفارقة الرقابة الأمريكية
اللافت أن الولايات المتحدة نفسها، كما أشار مراقبون، تُمارس مراجعة صارمة لمنشورات وسائل التواصل الاجتماعي الخاصة بالأجانب الراغبين في دخول أراضيها.
فوزارة الخارجية الأمريكية وجهت موظفيها القنصليين مرارًا إلى فحص حسابات المتقدمين للحصول على تأشيرات، بحثًا عن “أي مؤشرات على العداء تجاه المواطنين أو الحكومة أو المبادئ التأسيسية للولايات المتحدة”.
ويرى البعض أن هذه السياسات تعكس تناقضًا في الموقف الأمريكي من حرية التعبير.
سياسة تأشيرات جديدة تستهدف “الرُقابة المعادية”
وفي مايو/أيار، أعلن وزير الخارجية ماركو روبيو عن سياسة جديدة لتقييد إصدار التأشيرات للمسؤولين الأجانب الذين يثبت تورطهم في فرض رقابة على المواطنين الأمريكيين عبر الإنترنت.
وذكر روبيو أن هذه السياسة ستُطبق في البداية على عدد من المسؤولين في أمريكا اللاتينية وأوروبا، حيث قال: “لن نسمح بأن تتدخل حكومات أجنبية في حق الأمريكيين بالتعبير على الإنترنت. من يفرض رقابة علينا لن يكون موضع ترحيب هنا.”
ردود أوروبية مرتقبة
حتى اللحظة، لم يصدر رد رسمي من المفوضية الأوروبية على التصريحات الأمريكية، لكن من المتوقع أن تثير هذه التصريحات غضبًا دبلوماسيًا في بروكسل، لا سيما وأن القانون الأوروبي يحظى بدعم واسع باعتباره وسيلة ضرورية لمواجهة الأخبار الكاذبة والتحريض على العنف.
ويرى مراقبون أن تصريحات واشنطن تعكس تحولًا في الخطاب الأمريكي في ظل إدارة ترامب الجديدة، التي ترى أن حرية التعبير يجب أن تبقى مطلقة، حتى في الفضاء الرقمي الذي تزداد فيه التهديدات المعلوماتية.
حرية التعبير أم فوضى رقمية؟
وفي الوقت الذي تتصاعد فيه المواجهة بين الطرفين، يبرز تساؤل جوهري: هل التنظيم الأوروبي لوسائل التواصل الاجتماعي فعلاً قمعٌ لحرية التعبير، أم أنه ضرورة لضمان سلامة الفضاء الرقمي؟
بينما ترى واشنطن أن “الرقابة ليست حرية”، ترد بروكسل بأن “حرية التعبير لا تشمل التضليل وخطاب الكراهية”، ويبدو أن الخلاف مرشّحٌ للتصعيد في المحافل الدولية القادمة.