حزب العمال الكردستاني يعلن حلّ نفسه ونزع سلاحه: نهاية 40 عاماً من الصراع مع تركيا
في خطوة وُصفت بالتاريخية، أعلن حزب العمال الكردستاني (PKK)، يوم الاثنين، حلّ نفسه رسميًا ونزع سلاحه، منهياً بذلك أربعة عقود من التمرد المسلح ضد الدولة التركية. القرار الذي طال انتظاره، جاء تتويجًا لمبادرات سياسية متتالية، أبرزها الدعوة التي أطلقها زعيم الحزب المسجون عبد الله أوجلان في فبراير/شباط الماضي لعقد مؤتمر يُعلن فيه إنهاء الكفاح المسلح وحل التنظيم.
من “الكفاح المسلح” إلى طي صفحة الحرب
عبد الله أوجلان، الذي يقضي عقوبة السجن مدى الحياة في جزيرة إيمرالي قرب إسطنبول منذ اعتقاله عام 1999، كان قد صرح في رسالته الأخيرة بأن حزب العمال الكردستاني “تجاوز مهمته التاريخية”، داعياً إلى “فتح صفحة جديدة” في مسيرة القضية الكردية. هذا النداء مثّل نقطة تحوّل في مسار الحركة الكردية المسلحة التي كانت قد بدأت تمردها ضد الدولة التركية عام 1984، مطالبةً بالحكم الذاتي وحقوق ثقافية وسياسية للأكراد.
وجاء في البيان الصادر عن المؤتمر الاستثنائي للحزب: “نعلن رسمياً حل حزب العمال الكردستاني ونزع سلاحه، وإيقاف كافة العمليات المسلحة ضد الدولة التركية”. وأضاف البيان أن القرار يعكس “إرادة سياسية في طي صفحة العنف” وفتح المجال أمام “حلول سياسية وقانونية للقضية الكردية”.
إشارات سياسية تركية… ومقايضات محتملة
حل الحزب جاء في سياق سياسي داخلي تركي يشير إلى وجود استعداد لدى الحكومة لإعادة النظر في الملف الكردي. ففي مارس/آذار الماضي، بادر حزب العمال الكردستاني بإعلان وقف إطلاق نار أحادي الجانب، وهو ما اعتُبر بمثابة بادرة حسن نية تجاه أنقرة، لا سيما في ظل مؤشرات على أن الإفراج المشروط عن أوجلان بات مطروحاً للنقاش داخل أروقة السلطة.
ورغم أن السلطات التركية لم تعلن رسمياً عن وجود صفقة سياسية مع الحزب، إلا أن مراقبين يرون أن قرار الحزب جاء نتيجة تفاهمات غير معلنة، تتضمن وعوداً بتخفيف القيود على النشاط السياسي الكردي، وربما مراجعة شروط احتجاز أوجلان في حال التزام الحزب بتفكيك بنيته العسكرية.
40 عاماً من الدماء: حصيلة باهظة للنزاع
شهد الصراع بين حزب العمال الكردستاني والدولة التركية مراحل دامية، أسفرت عن مقتل عشرات الآلاف من الجنود الأتراك والمقاتلين الأكراد، بالإضافة إلى سقوط أعداد كبيرة من المدنيين. وأدى النزاع إلى دمار واسع في المناطق ذات الأغلبية الكردية جنوب شرقي تركيا، إلى جانب تهجير مئات الآلاف من السكان.
طوال سنوات الصراع، صنّفت تركيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي حزب العمال الكردستاني كمنظمة إرهابية، وهو تصنيف استند إلى هجمات الحزب ضد أهداف مدنية وعسكرية داخل تركيا. رغم ذلك، حظي الحزب بدعم في أوساط الأكراد بوصفه معبّراً عن تطلعاتهم القومية.
منظمة بلا جدوى؟ كيف تغيّرت المعطيات؟
يرى محللون أن قرار الحزب بحل نفسه يعكس تغيراً جوهرياً في البيئة الإقليمية والدولية. إذ أن صعود قوى كردية محلية في سوريا والعراق، وظهور أطر سياسية جديدة للتعبير عن المطالب الكردية، قلّل من الحاجة إلى العمل المسلح العابر للحدود.
كما أن التحولات في السياسات التركية، وخاصة بعد تعثّر مشروع “العمق الاستراتيجي” التركي في الشرق الأوسط، دفعت أنقرة إلى إعادة تقييم أولوياتها الأمنية. وبينما ظلت العمليات العسكرية ضد قواعد الحزب في جبال قنديل شمال العراق مستمرة، فقد بدا واضحاً أن كلفة استمرار الحرب لم تعد مجدية لأي من الطرفين.
مستقبل أوجلان والقضية الكردية في تركيا
يبقى مصير عبد الله أوجلان رمزياً ومفتوحاً على احتمالات عدة. فبينما يطالب أنصاره بالإفراج عنه كجزء من مسار المصالحة، تدرك الحكومة التركية أن هذه الخطوة تنطوي على حساسيات سياسية داخلية، خاصة في ظل تعقيدات المشهد الانتخابي التركي وصعود الخطاب القومي.
ومع ذلك، فإن حل حزب العمال الكردستاني قد يمنح الحكومة مبررات قوية لطرح مبادرات تتعلق بتحسين ظروف احتجاز أوجلان، وربما فتح حوار مع ممثلين سياسيين أكراد ضمن أطر دستورية.
تركيا أمام اختبار تاريخي
قرار حل الحزب يمثل اختباراً حقيقياً لقدرة الدولة التركية على إدارة مرحلة “ما بعد العنف” في علاقتها مع الأكراد. فبينما يُنظر إلى نزع السلاح الكردي كمكسب استراتيجي لأنقرة، فإن التحدي الأهم يكمن في كيفية الاستجابة للمطالب الكردية بالاعتراف الثقافي والسياسي ضمن إطار ديمقراطي.
في النهاية، يمثل تفكك حزب العمال الكردستاني نهاية لحقبة دموية في التاريخ التركي، لكنه يفتح أيضاً باباً واسعاً أمام أسئلة جديدة حول العدالة الانتقالية، والمصالحة الوطنية، ومستقبل الأكراد في تركيا.