روسيا تحظر “حركة شيطانية” وهمية في أحدث استخدام مثير للجدل لقانون التطرف

في تطور جديد أثار انتقادات واسعة، أصدرت المحكمة العليا في روسيا، يوم الأربعاء، قرارًا بحظر ما وصفته بـ”الحركة الدولية للشيطانيين”، واعتبارها منظمة متطرفة، رغم عدم وجود أدلة تؤكد وجود مثل هذه الحركة من الأساس. يأتي هذا الحكم ضمن سلسلة من الإجراءات التي تتخذها السلطات الروسية مؤخرًا ضد ما تسميه “التهديدات الإيديولوجية”، وسط تصاعد في استخدام قانون التطرف الصادر عام 2002 كأداة للرقابة والتحكم السياسي.

حظر لمنظمة غير موجودة

وبحسب بيان صادر عن مكتب المدعي العام الروسي، فقد تم تقديم الدعوى من قبل المدعي العام إيغور كراسنوف، وقضت المحكمة العليا بمنع أنشطة الحركة نهائيًا داخل الأراضي الروسية.

“الحركة، كما هو معلوم، تقوم على فكر متطرف وعدائي تجاه المذاهب الدينية التقليدية”، بحسب البيان الرسمي.

لكن وسائل إعلام مستقلة، من بينها صحيفة ميدوزا الروسية التي تتخذ من لاتفيا مقرًا لها، شككت في وجود هذه الحركة أصلًا. وذكرت أن المحكمة “حظرت سابقًا أيضًا حركات وهمية”، مثل “الحركة الدولية لمجتمع الميم”، التي استخدمت لاحقًا كغطاء قانوني لقمع المثليين ومصادرة الأعمال الفنية التي يُنظر إليها على أنها تتعارض مع القيم الرسمية للدولة.

ربط بالنازية الجديدة وأعمال تخريب

اتهمت النيابة العامة من وصفتهم بـ”الشيطانيين” بالتحريض على العنف ضد الكنائس الأرثوذكسية، وتخريب وتدنيس دور العبادة، وربطتهم بتيارات “القومية المتطرفة والنازية الجديدة”. ولم تُقدّم النيابة أدلة علنية على وجود منظمات منظمة بهذا الاسم أو صِلات مباشرة بحوادث بعينها.

وفي تصريح رسمي، قال نائب وزير العدل الروسي أوليج سفيريدينكو: “الحظر جاء نتيجة جهود منسقة من أجهزة الدولة لحماية الأمن القومي، في إطار خطة موسعة لفرض السيطرة وحماية المجتمع من الأفكار المتطرفة.”

دعم كنسي وتشريعي للحظر

رحّبت الكنيسة الأرثوذكسية الروسية بالقرار، مؤكدة أنه “خطوة ضرورية لحماية الهوية الدينية والأخلاقية للدولة الروسية”. وكانت الكنيسة، إلى جانب مشرعين محافظين في البرلمان، قد دعت مرارًا إلى تجريم الفكر الشيطاني والممارسات المرتبطة به، معتبرة إياها تهديدًا مباشرًا للدولة والمجتمع.

وفي أبريل/نيسان الماضي، استضاف مجلس الدوما مائدة مستديرة تحت عنوان “مكافحة الشيطانية والبدع الفكرية الضارة”، شارك فيها رجال دين وخبراء أمنيين، حيث جرى خلالها الترويج لسن تشريعات أكثر صرامة ضد ما سُمي بـ”التيارات المعادية للهوية الروسية”.

انتقادات حقوقية وتخوفات من مزيد من القمع

من جانبها، اعتبرت منظمات حقوقية ومراقبون دوليون أن القرار يندرج في إطار تصعيد الرقابة الفكرية والدينية في روسيا. ويرى منتقدون أن الحكومة تستخدم قانون التطرف كذريعة لقمع الحريات، خاصة عند استهداف كيانات لا وجود لها فعليًا، مما يمنح الأجهزة الأمنية اليد الطولى لملاحقة أفراد بناءً على تصنيفات فضفاضة أو غير مثبتة.

يقول الباحث في شؤون الحركات الدينية، أناتولي ياكوفليف، إن “غياب الأدلة حول وجود الحركة المزعومة، وعدم الكشف عن أي أسماء أو وقائع مرتبطة بها، يجعل من هذا الحظر سابقة قانونية خطيرة، تُمكّن السلطة من ملاحقة أي مجموعة غير مرغوب فيها تحت عنوان مكافحة التطرف.”

وأضاف: “هذا ليس حظرًا لحركة، بل هو إعلان نوايا لتوسيع سيطرة الدولة على المجال العقائدي والفكري.”

ويُعد هذا الحظر جزءًا من سلسلة طويلة من الإجراءات التي استهدفت جماعات فكرية ودينية تحت مظلة قانون “مكافحة التطرف”، مثل شهود يهوه، ومجتمع الميم، والمفكرين الليبراليين. وقد شجبت منظمات دولية، بينها هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية، هذا الاستخدام “السياسي” للقانون، واعتبرته موجهًا ضد الخصوم أو المختلفين عقائديًا، لا ضد التهديدات الحقيقية للأمن.

قد يعجبك ايضا