زيارة محمد بن سلمان لواشنطن: شراكة استراتيجية تواجه تحديات جديدة

يصل وليّ العهد السعودي ورئيس الوزراء محمد بن سلمان إلى البيت الأبيض يوم الثلاثاء، في زيارة تحمل رمزية استراتيجية كبيرة، لكنها تجري في ظل واقع متغير يفرض إعادة تقييم مستمرة للشراكة بين المملكة والولايات المتحدة.

فبينما تحاول واشنطن إعادة ضبط تحالفاتها في عالم أكثر تشرذمًا، تسعى الرياض إلى تعزيز مكانتها كقوة متوسطة قادرة على فرض استقرار اقتصادي وسياسي في منطقة مضطربة.

ولطالما شكلت الشراكة الأميركية ـ السعودية ركيزة أساسية لاستقرار الشرق الأوسط وأمن الطاقة العالمي منذ نحو ثمانية عقود.

ومع تطور العلاقة، انتقل التركيز من تبادل النفط مقابل الأمن إلى شراكة أوسع تشمل مكافحة الإرهاب، واستقرار أسواق الطاقة، وتهميش التطرف، وتعزيز استقرار المنطقة العربية، مع مشاركة أميركية في مناطق حساسة مثل غزة والضفة الغربية ولبنان وسوريا والسودان واليمن.

لكن هذه الشراكة لم تخلُ من الجدل، خصوصًا فيما يتعلق بحقوق الإنسان. يرى المنتقدون أن سجل المملكة في القمع السياسي والاعتقالات التعسفية، إلى جانب استمرار عقوبات صارمة، يمثل تحديًا أخلاقيًا كبيرًا للشراكة.

ومع ذلك، تركز واشنطن والرياض على المصلحة الوطنية والسياسات الواقعية، حيث تُعد الجغرافيا السياسية أداة لإدارة المصالح أكثر من كونها حقلًا أخلاقيًا.

ومن الداخل، تشهد السعودية تغييرات واسعة تحت قيادة محمد بن سلمان، أبرزها تمكين المرأة في سوق العمل والجيش، وتوسيع قطاعي الترفيه والسياحة، وتوجه المملكة نحو تنويع الاقتصاد بعيدًا عن النفط.

ومع ذلك، يبقى الإصلاح القانوني العقبة الأكبر: فبينما تم إقرار مدونات قانونية واضحة ورقمنة القضاء، لا تزال بعض الأحكام الجنائية، مثل عقوبة الإعدام في قضايا المخدرات واعتقال ناشطين، محل انتقاد دولي، ما يبرز التناقض بين الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية من جهة، والتحديات القانونية والسياسية من جهة أخرى.

وتنعكس التحولات الداخلية للمملكة على السياسة الخارجية. فالرياض القوية، باعتبارها موطن أقدس مواقع المسلمين، قد تساهم في تقليص جاذبية التطرف حول العالم، وتقديم شريك مستقر وموثوق للولايات المتحدة في منطقة تموج بعدم الاستقرار.

وتأتي زيارة محمد بن سلمان إلى واشنطن في سياق اتفاق دفاعي وشيك بين الطرفين بعد مفاوضات امتدت عامين، مما يعكس رغبة السعودية في الحفاظ على خيارات تحالفية متعددة، بما في ذلك علاقاتها مع باكستان النووية، في ظل تصاعد نفوذ الصين وروسيا في المنطقة.

اقتصاديًا، من المتوقع أن تتصدر مبادرات في مجالات الذكاء الاصطناعي، والمعادن النادرة، والطاقة النووية المدنية، جدول الأعمال، مع استمرار صندوق الاستثمارات العامة السعودي في توسيع شراكاته مع الولايات المتحدة.

وتحاول الرياض تحويل نفسها من مصدّر نفط تقليدي إلى مصدر للطاقة الخضراء وقوة تكنولوجية، بينما تدعم استقرار الدولار كعملة احتياطية من خلال استمرار ربط النفط بالدولار، وهو عامل اقتصادي استراتيجي هام بالنسبة لواشنطن.

أما على الصعيد الإقليمي، فتظل القضية الفلسطينية محورًا محوريًا للعلاقات السعودية ـ الأميركية. إذ يرى محمد بن سلمان أن التطبيع مع إسرائيل لا يمكن أن ينجح دون تقدم حقيقي نحو دولة فلسطينية، وأن استمرار القضية الفلسطينية يمثل تهديدًا للاستقرار.

ويعكس هذا التوجه فهم الرياض للعلاقة بين السلام المستدام والاستقرار الإقليمي، ويؤكد أن دورها في المنطقة أكبر من مجرد اتفاقات شكلية.

رغم ذلك، فإن نقاط الاحتكاك بين الطرفين واضحة: واشنطن قد تضغط على السعودية للإسراع في مسار التطبيع مع إسرائيل، بينما تسعى الرياض للحصول على أنظمة تسليح متقدمة لا تزال الولايات المتحدة مترددة في منحها، بالإضافة إلى ملف النفط الذي يمثل دائمًا نقطة اختبار بين مصالح المستهلك الأميركي ورغبة المملكة في دعم اقتصادها وتنويع مصادر الدخل.

والأمر الأساسي أن هذه الشراكة لم تعد مجرد تبادل نفط مقابل أمن. فهي اليوم شراكة متعددة الأبعاد، تشمل الاستقرار الإقليمي، والتكامل الدفاعي، والترابط الاقتصادي، والقدرة على التأثير في قضايا الطاقة العالمية.

وعندما تعمل الولايات المتحدة والسعودية بتناغم، يخلق ذلك بيئة إقليمية مستقرة؛ وعندما يفترق الطرفان، تزداد فرص الفوضى في المنطقة.

قد يعجبك ايضا