صفقات ترامب في الذكاء الاصطناعي مع الدول الخليجية تثير قلقًا داخل واشنطن
أثار إعلان الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب عن سلسلة صفقات كبرى في مجال الذكاء الاصطناعي مع دول الخليج، وعلى رأسها السعودية والإمارات، موجة من القلق في واشنطن، وسط تحذيرات من أن تؤدي هذه التحركات إلى فتح الباب أمام الصين للوصول بشكل غير مباشر إلى شرائح الذكاء الاصطناعي الأميركية المتقدمة.
مليارات في الرقائق… ومخاوف من “الخطر الصيني”
في الأسبوع الماضي، كشف ترامب عن صفقات ضخمة بين شركات تكنولوجيا أميركية ودول الخليج، تشمل توريد آلاف الشرائح المتقدمة وبناء مراكز بيانات عملاقة. أبرز تلك الصفقات شملت شركة Nvidia التي أعلنت عن شحن 18 ألف شريحة ذكاء اصطناعي إلى السعودية، بالإضافة إلى اتفاقيات مماثلة مع شركتي AMD وQualcomm لدعم شركة “Humain”، وهي شركة ناشئة مدعومة من صندوق الاستثمارات العامة السعودي.
كما أعلنت أمازون عن استثمار مشترك مع Humain بقيمة تفوق 5 مليارات دولار لإنشاء “منطقة ذكاء اصطناعي” متكاملة في السعودية تضم خوادم Amazon Web Services، إلى جانب برامج تدريبية ووكلاء ذكاء اصطناعي تستخدمهم الحكومة السعودية.
لكنّ هذه الصفقات أثارت قلقاً متنامياً بين أعضاء في الكونغرس الأميركي ومسؤولين في الأجهزة الأمنية، الذين حذروا من أن دول الخليج، ورغم شراكتها الوثيقة مع واشنطن، ما زالت تحتفظ بعلاقات اقتصادية وتقنية وثيقة مع الصين، ما قد يعرّض هذه التقنيات الحساسة لخطر التسريب أو الاستخدام غير المرخص.
إلغاء قيود بايدن… وفتح شهية الشركات
تأتي هذه التحركات في أعقاب إلغاء إدارة ترامب لقواعد مشددة وضعتها إدارة بايدن سابقًا للحد من تصدير شرائح الذكاء الاصطناعي، خاصة إلى السعودية والإمارات. وبينما لم يتم تطبيق سياسة بديلة حتى الآن، فقد سارعت الشركات الأميركية الكبرى لإبرام صفقات قبل صدور أي تنظيم جديد.
وأعلنت وزارة التجارة الأميركية من جهتها عن إطار تعاون جديد مع الإمارات، يتضمن إطلاق مركز بيانات بسعة 1 غيغاوات في أبوظبي ضمن مشروع أوسع للطاقة الحاسوبية بسعة 5 غيغاوات، قالت إنه سيلتزم “بمعايير أمنية أميركية صارمة”، دون تقديم تفاصيل دقيقة عن آليات الرقابة أو منع تسرب التكنولوجيا.
الكونغرس يتحرك… وتشريعات لمواجهة “الثغرات”
ردًا على تصاعد القلق، قدّمت اللجنة المختارة في مجلس النواب بشأن الحزب الشيوعي الصيني مشروع قانون جديد تحت عنوان “قانون أمن الرقائق”، يدعو إلى إلزام مصنعي شرائح الذكاء الاصطناعي بالحصول على موافقات مسبقة وتقديم تقارير دورية حول أي تحويل للرقائق إلى أطراف أو دول محظورة.
وقال مسؤول في وزارة التجارة الأميركية لموقع Axios إن الإرشادات الأخيرة تهدف إلى منع “الخصوم مثل الصين من استخدام طرق بديلة للوصول إلى الرقائق الأميركية عبر دول ثالثة”، في إشارة مباشرة إلى دول الخليج.
الخليج كمنصة ثالثة… بين واشنطن وبكين
يرى خبراء أن دول الخليج، رغم طموحاتها الهائلة، لن تنحاز بشكل كامل إلى الولايات المتحدة أو الصين، بل تسعى لتحقيق توازن براغماتي يحفظ مصالحها مع الجانبين. وقال جيمي غودريتش، مستشار التكنولوجيا بمؤسسة “راند”، إن “دول الخليج ترى في الذكاء الاصطناعي أداة للبقاء الاقتصادي في عالم يقلّ اعتماده على النفط”.
وأضاف أن نقل مراكز البيانات ومكونات البنية التحتية الذكية إلى الصحراء قد يُفقد واشنطن السيطرة على مستقبل الذكاء الاصطناعي، رغم أن الشركات الأميركية ستظل اللاعب الرئيسي.
تنافس داخلي: الأمن القومي أم أرباح التكنولوجيا؟
يكشف التقرير أن الخلاف بين أولويات الأمن القومي والطموحات التجارية يشق طريقه داخل واشنطن. وبينما تُفضل شركات كبرى مثل Nvidia وMicrosoft رفع القيود لتعزيز الابتكار والنمو، تحذر أصوات داخل الإدارة من مخاطر استراتيجية على المدى الطويل، خصوصًا في ظل تسارع مشاريع نقل التكنولوجيا إلى الخارج.
وفي هذا السياق، قال جوزيف هوفر، مدير السياسات في شركة “مونومنت أدفوكاسي”، إن “إلغاء قواعد النشر يفتح الباب أمام دبلوماسية تقنية ثنائية، تركز على المكاسب قصيرة الأمد بدلاً من الرؤية الاستراتيجية بعيدة المدى”.
في المحصلة فإن السباق على الذكاء الاصطناعي لم يعد محصورًا بين الولايات المتحدة والصين فقط، بل دخلت دول الخليج كطرف ثالث طموح يمتلك المال والبنية التحتية، لكنه يثير في الآن ذاته أكبر المخاوف بشأن أمن التكنولوجيا الأميركية.