إيطاليا تتعهد بمنع نقل مواطنيها إلى غوانتانامو وتطالب واشنطن بتوضيحات
في تصعيد دبلوماسي نادر بين حليفين تاريخيين، تعهدت الحكومة الإيطالية ببذل كل ما في وسعها لمنع إرسال أي من مواطنيها إلى معتقل غوانتانامو، بعد تسريبات كشفت نية إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نقل آلاف المهاجرين غير النظاميين، من بينهم أوروبيون، إلى القاعدة العسكرية الأمريكية في كوبا.
وقال وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاجاني، في تصريحات إذاعية صباح الأربعاء، إن روما طلبت توضيحات عاجلة من واشنطن، مؤكدًا أن الحكومة الإيطالية “ستفعل كل ما بوسعها لضمان عدم نقل أي إيطالي إلى غوانتانامو”، في إشارة إلى المعتقل الشهير الذي يُنظر إليه باعتباره رمزًا لانتهاكات حقوق الإنسان بعد هجمات 11 سبتمبر.
وأضاف تاجاني في مقابلة مع إذاعة RTL 102.5 الإيطالية: “هذا هو الوضع الراهن: لا مبرر لنقل الإيطاليين إلى غوانتانامو. لقد أبلغنا الإدارة الأمريكية استعدادنا الكامل لاستعادة مواطنينا”.
القلق الأوروبي يتصاعد
ويأتي الموقف الإيطالي عقب تقارير نشرتها بوليتيكو عن وثائق حكومية مسرّبة، تُشير إلى خطة أمريكية تقضي بنقل نحو 9000 مهاجر إلى معسكر غوانتانامو، من بينهم ما لا يقل عن 800 أوروبي، بينهم 100 روماني، واثنان على الأقل من الجنسية الإيطالية.
ووفقًا للتسريبات، فإن الهدف من الخطة هو استخدام المعسكر كمركز احتجاز مؤقت لحين استكمال ترتيبات الترحيل إلى بلدان المنشأ.
في السياق ذاته، أعلنت السفارة الرومانية في واشنطن أنها على “اتصال دائم” مع السلطات الأمريكية، وذكرت أنها على علم بوجود 47 مواطنًا رومانيًا في مراكز احتجاز المهاجرين في الولايات المتحدة، لكنها أكدت أن “نقلهم إلى قاعدة غوانتانامو البحرية غير مطروح على الطاولة”.
البيت الأبيض ينفي والخارجية تطالب بالتوضيح
ورغم موجة القلق الأوروبية، وصفت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولين ليفيت عبر منصة “إكس” التقارير بأنها “أخبار كاذبة”، مؤكدة أن الخطط “لن تُنفذ”. إلا أن الإدارة الأمريكية لم تُصدر أي توضيح رسمي أو تعقيب مباشر على التسريبات، ولم تجب على استفسارات الصحفيين بشأن ما إذا كانت الخطة قد جُمّدت أو أُلغيت.
وفي ظل الغموض المحيط بالموقف الرسمي الأمريكي، أكد الوزير تاجاني أنه سيتواصل هاتفيًا يوم الخميس مع نظيره الأمريكي ماركو روبيو، وزير الخارجية في إدارة ترامب، “للحصول على إجابات دقيقة”.
وأضاف أن المعتقل الأمريكي في غوانتانامو “مخصص فقط لمواطني الدول التي ترفض استقبال رعاياها”، مشيرًا إلى أن إيطاليا لا تُعد من هذه الدول، وبالتالي فإن أي حديث عن إرسال إيطاليين إلى هذا السجن “لا مبرر له”.
غوانتانامو… سجن بسمعة سيئة
أنشئ معتقل غوانتانامو في يناير 2002 كموقع لاحتجاز المشتبه بهم في “الحرب على الإرهاب” التي أعقبت هجمات 11 سبتمبر. ومنذ افتتاحه، واجه المعتقل إدانات واسعة من منظمات حقوق الإنسان، وهيئات دولية من بينها الأمم المتحدة، التي وصفت المعسكر بأنه “رمز لانتهاك القانون الدولي وغياب العدالة”.
وكان الرئيس الأسبق باراك أوباما قد تعهد بإغلاق المعسكر، إلا أن معارضة الكونغرس حالت دون ذلك. واليوم، في عهد ترامب، يبدو أن الإدارة تعيد إحياء استخدام المعسكر، ليس كموقع لاحتجاز مشتبه بهم بالإرهاب، بل كمركز “انتقالي” للمهاجرين غير النظاميين.
ومنذ فبراير الماضي، بدأت إدارة ترامب باستخدام غوانتانامو لاحتجاز مئات المهاجرين، في سياق حملة موسعة لترحيل غير الحاملين للوثائق، رغم الانتقادات الدولية المتزايدة لهذه السياسة.
توتر داخل الإدارة الأمريكية
وبحسب تقارير بوليتيكو، فإن دبلوماسيين أمريكيين من وزارة الخارجية ضغطوا على وزارة الأمن الداخلي — الجهة المشرفة على عمليات الترحيل — لثنيها عن إرسال مهاجرين من دول أوروبية إلى غوانتانامو، معتبرين أن ذلك قد يُضر بالعلاقات مع حلفاء واشنطن التقليديين، خاصة وأن معظم الدول الأوروبية تتعاون في استعادة رعاياها دون عراقيل.
وتُشير الوثائق المسربة إلى أن عمليات النقل قد تبدأ هذا الأسبوع، ما لم يتم اتخاذ قرار بالتجميد أو الإلغاء في اللحظة الأخيرة.
موقف إيطاليا: تحذير لا تهديد
ورغم نبرة الحزم التي اتسم بها خطاب أنطونيو تاجاني، حرص الوزير على التأكيد بأن روما “لا تسعى للتصعيد”، وإنما “لضمان احترام حقوق مواطنيها في إطار القانون الدولي”.
وقال تاجاني: “نحن نؤمن بالحوار ونحترم التحالف مع الولايات المتحدة، لكن في الوقت نفسه لدينا مسؤولية أخلاقية وقانونية لحماية مواطنينا من أن يُزج بهم في مكان ارتبط اسمه بالانتهاكات والتجاوزات”.
واختتم الوزير الإيطالي تصريحاته بالتشديد على أن روما “تثق بأن واشنطن ستستجيب لهذه المخاوف بجدية”، مُلمحًا إلى أن الحكومة الإيطالية لن تتردد في اتخاذ خطوات دبلوماسية إضافية إذا لزم الأمر.