فشل السياسة الخارجية البولندية بين صراع الرئاسة والحكومة

لم يعد الخلاف في بولندا مجرد تنافس سياسي داخلي بين رئيس الوزراء الوسطي دونالد توسك والرئيس اليميني المنتخب حديثًا كارول ناوروكي، بل تحول إلى أزمة تعطّل قدرة وارسو على صياغة سياسة خارجية متماسكة. وبينما يستعد ناوروكي لزيارة البيت الأبيض ولقاء الرئيس الأميركي دونالد ترامب، تتكشف بوضوح أزمة مزدوجة: غياب وحدة القرار في الداخل وتراجع مكانة بولندا في المحافل الأوروبية.

وقد كانت بولندا قبل عام ونصف فقط في صدارة العمل الدبلوماسي الأوروبي، قائدةً لمبادرات دعم أوكرانيا، ومشاركةً أساسية في مثلث فايمار (بولندا، ألمانيا، فرنسا). لكن هذا الدور بدأ يتلاشى مع عودة الصراع السياسي الداخلي:

وغابت بولندا عن اجتماع الأزمة في البيت الأبيض الذي جمع قادة أوروبا لحماية موقع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أمام ترامب.

وتقاربت باريس وبرلين مجددًا، ما أضعف موقع وارسو كجسر بين أوروبا الشرقية والغربية.

وتحولت بولندا من “صوت قيادي” في الدفاع عن كييف إلى طرف منشغل بخلافاته الداخلية حول ملف اللاجئين الأوكرانيين.

دستور على الورق وصراع على الأرض

من الناحية الدستورية، السياسة الخارجية من اختصاص الحكومة التي يقودها رئيس الوزراء. لكن ناوروكي، بدعم من حزب القانون والعدالة الشعبوي، يسعى لتوسيع سلطاته.

توسك علّق ساخرًا على زيارة الرئيس إلى واشنطن قائلاً: “ربما يستغرق الأمر بعض الوقت حتى يستوعب مكتب الرئيس قواعد اللعبة… سأشرح لهم بصبر كيف ينبغي أن يكون التعاون”.

أما معسكر ناوروكي، فيعتبر أن الرئيس يمثل الدولة بأكملها، وأن تقليص دوره إلى مجرد “متحدث باسم الحكومة” أمر غير مقبول.

حرب مؤسساتية تتجاوز الحدود

المواجهة لا تقتصر على التصريحات، بل تشمل أدوات الحكم:
ناوروكي استخدم حق النقض ضد تشريعات رئيسية للحكومة، من بينها مشروع قانون لدعم اللاجئين الأوكرانيين.
تدخل في تفاصيل اقتصادية مثل مشروع المطار المركزي وانتقد وزير المالية علنًا.

يسعى لتثبيت رؤيته عبر زيارات خارجية مستقلة، وأولها واشنطن، ليظهر بمظهر الزعيم القادر على مخاطبة البيت الأبيض مباشرة.

وتخلق هذه الممارسات ازدواجية خطيرة: سياستان خارجيتان متناقضتان، إحداهما موالية للاتحاد الأوروبي بقيادة توسك، والأخرى مائلة نحو ترامب ومحور قومي – شعبوي يقوده ناوروكي.

ورقة أوكرانيا تتحول إلى عبء داخلي

لطالما كانت بولندا في طليعة الداعمين لكييف، لكن الخلافات الداخلية انعكست مباشرة على هذا الملف: ناوروكي رفض قانونًا لتوسيع المساعدات للأوكرانيين، معتبرًا أنه يمنحهم “امتيازات” على حساب البولنديين.

هدد بوقف تمويل خدمة الإنترنت عبر الأقمار الصناعية ستارلينك التي تقدمها بولندا للجيش الأوكراني. وقد اتهمه وزراء في الحكومة بأنه يضعف كييف ويخدم روسيا عبر المزايدات الشعبوية.

في المقابل، قدّم ناوروكي مشروع قانون بديل لمساعدة الأوكرانيين، لكن بأولويات مختلفة، بينما تعهّدت الحكومة بتقديم مقترحها الخاص خلال الجلسة البرلمانية المقبلة. النتيجة: شلل سياسي يضر بصورة بولندا كشريك موثوق.

واشنطن مسرح الاستعراض
زيارة ناوروكي إلى البيت الأبيض – الأولى له خارجيًا – ليست مجرد لقاء دبلوماسي، بل عرض قوة داخلي.

ويأمل الرئيس الجديد في الاستفادة من علاقته الشخصية مع ترامب، الذي دعمه علنًا في حملته الانتخابية.

وهو يسعى لتقديم نفسه كحامٍ للأمن البولندي في مواجهة روسيا، في تناقض مع رؤية توسك الأوروبية التعاونية.

بالنسبة لواشنطن، هذا الانقسام يثير تساؤلات حول من يملك القرار الحقيقي في وارسو.

انعكاسات على مكانة بولندا الأوروبية

نجح توسك منذ توليه رئاسة الوزراء في إعادة الانسجام مع الاتحاد الأوروبي، ما أدى إلى تحرير مليارات اليوروهات من التمويل الأوروبي المجمّد. لكن معركة السلطة مع ناوروكي تهدد بتقويض هذا الزخم.

لكن ازدواجية الموقف الخارجي تزرع الشكوك في استقرار القرار البولندي.

واستمرار هذه الحرب الداخلية قد يعيد بولندا إلى عزلة سياسية شبيهة بمرحلة حكم حزب القانون والعدالة.

قد يعجبك ايضا