الحرب لأهلية في السودان تدمر تاريخه الغني
في ديسمبر/كانون الأول الماضي، تفاجأ عشاق التراث في السودان عندما ظهرت صور لقوات الدعم السريع أمام الآثار الشهيرة لمملكة كوش القديمة، في جزيرة مروي.
ويقع المجمع الأثري، المدرج ضمن مواقع التراث العالمي لمنظمة اليونسكو، في أرض شبه صحراوية تمتد بين نهري النيل ونهر عطبرة في ولاية نهر النيل الشمالية.
كانت هذه المنطقة موطنًا لمملكة قوية كانت قائمة بين القرن الثامن قبل الميلاد والقرن الرابع الميلادي، حيث امتدت إمبراطوريتها في أوجها من البحر الأبيض المتوسط وصولاً إلى قلب أفريقيا.
وتتكون المنطقة من المدينة الملكية الكوشية في مروي على ضفاف النيل، والمراكز الدينية في النقعة والمسورات الصفراء، وتشتهر بأهراماتها ومعابدها ومبانيها المحلية، والتي شكل بعضها خلفية لقطات دعائية لقوات الدعم السريع.
ولم تكن الصور القادمة من جزيرة مروي هي الأولى التي أثارت ناقوس الخطر.
وفي يونيو/حزيران، بعد شهرين من اندلاع الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع، أثار مقطع فيديو آخر يظهر مقاتلين شبه عسكريين ضجة.
وكان المقاتلون قد داهموا مختبراً في المتحف الوطني في الخرطوم، الذي يمكن القول إنه أهم متحف في السودان، وزعموا في ذلك الوقت أن الجثث والمومياوات القديمة كانت في الواقع ضحايا للنظام السابق.
يضم المتحف، الذي تم إنشاؤه في أوائل السبعينيات، أكبر مجموعة أثرية في البلاد، بما في ذلك بعض أقدم المومياوات المحنطة في العالم، ويقع في قلب عاصمة البلاد، وهي المنطقة التي تضررت بشدة من القتال.
وقد التقطت المشاهد في مروي والمتحف الوطني هشاشة التراث الثقافي والتاريخي للسودان وسط حرب أهلية شرسة تسببت في دمار واسع النطاق، مما أثار أعمال تخريب ونهب على نطاق واسع.
وتقول تومومي فوشيا، عالمة الآثار التي تتمتع بخبرة واسعة في السودان وتركز الآن على محاولة تعقب ما يتم فقده: “من الصعب تحديد حجم الضرر”.
وقالت: “أعتقد أن معظم التراث، بما في ذلك المتاحف والمسارح والأرشيف، تعرض للضرر بطريقة أو بأخرى”.
ويقول خبراء في هذا المجال إن رسم خريطة للتراث الثقافي والتاريخي الغني في السودان، وتقييم الأضرار التي لحقت به منذ بداية الحرب، يعد مهمة شاقة.
وتدير الهيئة القومية للآثار والمتاحف وحدها، وهي الجهة المسؤولة عن إدارة الآثار والمواقع الأثرية في السودان، 15 متحفاً، بما في ذلك ثلاثة في الخرطوم، وثلاثة في دارفور، ومتحف واحد في كل من شمال كردفان والجزيرة. وكلها مناطق دمرها القتال بشدة.
وقال محمد بشير، عضو قسم الآثار بجامعة الخرطوم: “لا يمكننا فصل التراث القديم عن بقية الخرطوم: البنية التحتية، والمباني المدنية، والوحدات الحكومية، والجامعات، والمستشفيات؛ كلها مدمرة”.
استخدم مختبر مراقبة التراث الثقافي في الولايات المتحدة صور الأقمار الصناعية لرصد علامات الأضرار الناجمة عن الحرائق على الهياكل الوقائية المحيطة بمعبدين داخل حديقة مجمع المتحف الوطني، ما يشير إلى حدوث بعض الأضرار الطفيفة على الأقل بسبب القذائف.
وقد أنتجت منظمة التراث من أجل السلام (HFP)، وهي منظمة دولية غير ربحية، التقارير الأكثر تفصيلاً عن الوضع الحالي للتراث في السودان، وثقت أيضًا وجود قناصة على سطح المتحف، مما يشير إلى أنه تم استخدامه لأغراض عسكرية. المقاصد.
وتبرز صورة أكثر قتامة من مجمع القصر الجمهوري، رمز سيادة السودان والمرتبط ارتباطاً وثيقاً بالفترة التي بدأت باستقلاله.
ومن الأحداث التاريخية التي جرت هناك، قمة الجامعة العربية عام 1967، التي اعتمدت إعلان الخرطوم الذي تعهد بعدم المصالحة والاعتراف والتفاوض مع إسرائيل بعد نكسة 1967.
ويضم الموقع متحفًا يقع في كاتدرائية أنجليكانية سابقة يرجع تاريخها إلى أوائل القرن العشرين، ويحتوي على آثار مهمة من تاريخ السودان الحديث، مثل السيارات الرئاسية واللوحات والهدايا. كما يضم أيضًا مكتبة بها أرشيفات ووثائق رسمية.
وقد تعرضت بعض مباني المجمع، بما في ذلك المتحف، لأضرار جسيمة، بما في ذلك جدرانها وأسطحها ومداخلها ونوافذها نتيجة لتأثير القذائف والرصاص والنيران، وفقًا لأحدث تقرير صادر عن منظمة HFP.