مساعي أوكرانيا لتصدير أسلحتها تصطدم بحظر حكومي مشدد

رغم امتلاك أوكرانيا واحدة من أكثر الصناعات العسكرية اختبارًا في ساحات القتال الحديثة، تواجه محاولاتها لبيع أسلحتها المتطورة إلى أوروبا عقبة كبرى تتمثل في حظر حكومي على التصدير.

ففي معرض الأسلحة الدولي DSEI بلندن، الذي يُعد من الأكبر عالميًا، شاركت شركتان أوكرانيتان فقط، في مشهد يعكس حدود السياسة الحالية لكييف، التي تسعى إلى الموازنة بين احتياجات جبهات القتال واعتبارات علاقاتها مع الحلفاء الغربيين.

وتقول الحكومة الأوكرانية إن الأولوية القصوى تظل تلبية احتياجات الجيش الأوكراني في حربه ضد روسيا، وتفادي أي نقص في المعدات على الجبهات.

كما تخشى كييف من أن يُفسر تصدير الأسلحة على أنه استغلال للحرب لتحقيق أرباح، ما قد يضر بمصداقيتها أمام الشركاء الدوليين الذين يموّلون جزءًا كبيرًا من دعمها العسكري.

لكن هذا الموقف يُثير انتقادات واسعة داخل القطاع الدفاعي الأوكراني، الذي يرى في فتح الأسواق الخارجية فرصة لتعزيز الابتكار، وتوفير إيرادات ضريبية ضخمة، وتوسيع القدرة الإنتاجية إلى مستويات غير مسبوقة.

فرص ضائعة في السوق الأوروبية

يرى خبراء أن أوروبا ستستفيد بشكل هائل من التعاون مع أوكرانيا. تقول أولريك فرانك، الباحثة في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية: “شركات كييف قادرة على تعليم نظيراتها الأوروبية كيفية تسريع الإنتاج بكميات ضخمة، خاصة في مجال الطائرات المسيّرة، التي تحتاجها القارة بشكل عاجل لتعزيز دفاعاتها الجوية.”

وتوضح فرانك أن أوروبا تُنتج حاليًا “عشرات الآلاف” من المسيّرات سنويًا، بينما تستهدف أوكرانيا إنتاج 4 ملايين مسيّرة بحلول عام 2025.

من الناحية الاقتصادية، تطرح الشركات الأوكرانية أسعارًا منافسة. فوفقًا لياروسلاف فيليمونوف، الرئيس التنفيذي لشركة “كفيرتوس”، أنظمة التشويش الأوكرانية على الطائرات المسيّرة أرخص بمرتين أو ثلاث مرات من البدائل الغربية.

أما روري تشامبرلين، مدير شركة Ukrspecsystems، فأكد أن طائرات الاستطلاع المسيّرة التي تنتجها شركته أرخص بست مرات من نظيراتها الأوروبية وأكثر دقة بفضل بيانات تدريب واسعة.

مشاريع مشتركة عالقة

رغم القيود، لا تزال بعض الشركات الأوكرانية تحاول دخول السوق الأوروبية عبر مشاريع مشتركة. فقد أعلنت Ukrspecsystems عن خطط لافتتاح منشأة بقيمة 250 مليون دولار في إنجلترا لإنتاج طائرات استطلاع مسيّرة.

كما اتفقت شركة Skyeton الأوكرانية مع شركة Prevail Partners البريطانية على تصنيع طائرات هجومية مسيّرة في المملكة المتحدة.

لكن هذه المشاريع تصطدم أيضًا بحظر التصدير، إذ تمنع كييف نقل برامج التصميم والملكية الفكرية الحيوية إلى الخارج. وأوضح بيتري ريمان من شركة Insta الفنلندية أن هذه القيود “تعيق الابتكار وتُحبط الشراكات”.

ضغط داخلي متزايد

داخل أوكرانيا، يتنامى الضغط على الحكومة لتخفيف الحظر. فقد أظهر مسح أجرته “القوات التكنولوجية الأوكرانية”، وهي نقابة منتجي المسيّرات، أن 97% من المصنّعين الخاصين ينتظرون رفع القيود لبدء التصدير إلى الدول الأوروبية وإطلاق مشاريع جديدة.

وحذر الوزير السابق للدفاع أندري زاجورودنيوك، من أن هذه السياسة تأتي بنتائج عكسية، حيث بدأت بعض الشركات في تطوير تقنياتها عبر كيانات خارجية للالتفاف على الحظر، ما يفقد الحكومة السيطرة على الملكية الفكرية ويُضعف الرقابة الاستراتيجية.

ورغم الحذر، تلوح مؤشرات على تحول تدريجي. فقد كشف أرسين زوماديلوف، رئيس وكالة المشتريات الدفاعية الأوكرانية، عن مباحثات مع شركات أوروبية لإنشاء مصانع داخل أوكرانيا ومشاركة الدروس المستفادة من الحرب.

كما صرحت سولوميا بوبروفسكا، نائبة لجنة الدفاع في البرلمان الأوكراني، أن الحكومة تفكر في رفع بعض القيود، والسماح بتصدير المعدات الزائدة أو غير الفتاكة. لكنها أقرت بأن “الجدول الزمني لا يزال غير واضح”.

أبعاد استراتيجية

تتجاوز القضية الجانب الاقتصادي. فبالنسبة لحلف الناتو، تسهيل وصول التكنولوجيا الأوكرانية إلى الأسواق الأوروبية قد يسد فجوات ملحة في القدرات الدفاعية، خاصة في الدفاعات الجوية وأنظمة المسيّرات منخفضة الكلفة.

وفي المقابل، ترى كييف أن احتفاظها بأسرارها التكنولوجية هو جزء من استراتيجيتها للحفاظ على ميزة ميدانية فريدة ضد روسيا.

وتكشف معضلة تصدير الأسلحة الأوكرانية عن تناقض جوهري بين الضرورات العسكرية والفرص الاقتصادية. وبينما يرى الصناعيون أن الوقت قد حان لفتح الأسواق، تظل الحكومة مترددة بين الحفاظ على الدعم الدولي وتلبية متطلبات الحرب.

وقد تشهد الأسابيع المقبلة تعديلًا تدريجيًا للسياسة، لكن ما هو مؤكد أن نجاح أوكرانيا في الموازنة بين الحاجة الداخلية والطلب الأوروبي المتزايد سيكون عاملًا حاسمًا في مستقبل صناعتها الدفاعية، وربما في شكل التعاون الأمني الأوروبي – الأوكراني لسنوات قادمة.

قد يعجبك ايضا