مستقبل التصنيع في أمريكا لا يزال بحاجة إلى الروبوتات الأجنبية

في ظل جهود إدارة ترامب لإعادة نهضة التصنيع في الولايات المتحدة، تبرز حقيقة واضحة: مصانع المستقبل الأمريكيّة ستعتمد بشكل كبير على الروبوتات الأجنبية المتقدمة، رغم السعي لتعزيز القدرات المحلية.

تتجلى رؤية الإدارة الأمريكية في تأسيس مصانع آلية ومتطورة، مع قوة عاملة أمريكية أكثر كفاءة وإنتاجية. ولكن، رغم هذه الرؤية الطموحة، فإن تحقيقها في الوقت الحالي لا يمكن أن يتم من دون الاعتماد على الروبوتات الأجنبية ذات التكنولوجيا المتقدمة التي لم تنشأ بعد في الولايات المتحدة بمستوى كافٍ.

لماذا هذا مهم؟

إعادة التصنيع في الولايات المتحدة ليست مجرد هدف اقتصادي فحسب، بل تعتبر مسألة حيوية للأمن القومي والاقتصادي. إن تقوية الصناعة المحلية تعني زيادة الاعتماد على الذات وتقليل نقاط الضعف في سلاسل الإمداد العالمية، التي أظهرت هشاشتها في السنوات الأخيرة.

لكن العقبات أمام هذا المسعى ليست قليلة. نقص العمالة الماهرة، وضغوط المنافسين الدوليين الذين يقدمون منتجات بتكلفة أقل، يفرضان على المصانع الأمريكية اعتماد أتمتة متزايدة لمواكبة سرعة التطور في الأسواق العالمية.

توضح هذه الحقيقة جيف بيرنشتاين، رئيس جمعية تطوير الأتمتة، قائلاً لموقع “أكسيوس”: “هذه هي الطريقة التي تُنافس بها اليوم. عليك الاستفادة من أفضل الأدوات المتاحة.”

الوضع الراهن في الصناعات الأمريكية

في قطاع صناعة السيارات، الذي ضغطت عليه إدارة ترامب بشكل خاص لتوطين التصنيع، تعتمد المصانع الأمريكية بالفعل بشكل كبير على الأتمتة. وفقًا لبيانات الاتحاد الدولي للروبوتات، تحتل صناعة السيارات الأمريكية المرتبة الخامسة عالميًا من حيث نسبة الروبوتات إلى عدد العمال في المصانع، متساوية مع اليابان وألمانيا، ومتقدمة على الصين.

ومع ذلك، فإن القطاعات الأخرى مثل الصناعات الدوائية، والزراعة، والخدمات اللوجستية، بدأت في تبني الأتمتة بسرعة، لكن الولايات المتحدة لا تزال تتخلف عن الدول الأخرى في هذه القطاعات.

الاعتماد على الروبوتات الأجنبية

تشير البيانات إلى أن معظم الروبوتات الصناعية المستخدمة في أمريكا تُستورد من الخارج. ففي سوق عالمي يهيمن عليه كل من اليابان، والصين، وألمانيا، وكوريا الجنوبية التي تنتج 70% من الروبوتات، تبرز هذه الدول كمزودين رئيسيين للتكنولوجيا المتقدمة.

شركة ABB السويسرية هي الوحيدة بين كبرى شركات الروبوتات التي تمتلك قاعدة تصنيع في الولايات المتحدة، حيث تُصنع حوالي 75% من روبوتاتها في ولاية ميشيغان. بينما تقوم شركات مثل فانوك وكوكا بتصنيع غالبية روبوتاتها في الخارج ثم شحنها إلى أمريكا للتجميع النهائي والاختبار. رغم ذلك، تقوم بعض الشركات مثل فانوك بتصدير روبوتات الطلاء من الولايات المتحدة إلى الخارج.

بعد وصول هذه الروبوتات، يتولى مدمجو الأنظمة الأمريكيون تركيبها في المصانع المحلية، مما يخلق جسرًا بين التكنولوجيا الأجنبية والاحتياجات الصناعية الأمريكية.

تاريخ الهيمنة الأمريكية والفرص الحالية

على الرغم من الريادة الحالية للدول الآسيوية والأوروبية، كانت الولايات المتحدة في السابق من رواد صناعة الروبوتات. ففي الستينيات، وضعت أمريكا الأساس الأول للروبوت الصناعي عندما تم تركيب أول روبوت صناعي في مصنع لشركة جنرال موتورز عام 1961.

لكن بسبب رفض النقابات العمالية الاستثمار في هذه التكنولوجيا، بالإضافة إلى نقص الدعم الحكومي، فقدت الولايات المتحدة موقعها الريادي لصالح اليابان التي اعتبرت الروبوتات أداة استراتيجية للنمو منذ أواخر الستينيات، وتبعها في ذلك الأوروبيون.

الآن، تشهد شركات تصنيع الروبوتات الصينية نموًا سريعًا مدعومًا بسياسات حكومية طموحة تحت مظلة مبادرة “صنع في الصين 2025″، التي تعطي أولوية عالية لتطوير الروبوتات، بما في ذلك الروبوتات الشبيهة بالبشر.

الاعتراف الرسمي وخطط الإدارة الأمريكية

يعترف مسؤولو البيت الأبيض بأن إعادة التصنيع المحلي تتطلب استثمارات كبيرة في المعدات الأساسية مثل الروبوتات، إلا أنهم يراهنون على أن الحوافز الضريبية التي أقرها مجلس النواب مؤخرًا ستخفف من أعباء التكلفة على الشركات الأمريكية.

وفيما يتعلق بالاعتماد على الموردين الأجانب، قال مسؤول في البيت الأبيض إن “جهود إعادة التصنيع تعالج هذه المشكلة بشكل مباشر”، مؤكداً أن تعزيز القدرات المحلية لصناعة الروبوتات هو جزء من استراتيجية أوسع للأمن الوطني والاقتصاد.

خطوات المستقبل والابتكار المحلي

تعمل العديد من الشركات الأمريكية الآن على تطوير الجيل القادم من الروبوتات الصناعية، مع التركيز على الروبوتات التي تشبه الإنسان في القدرة على أداء المهام المعقدة. من بين هذه الشركات Agility، وApptronik، وFiger، وTesla.

يأمل الخبراء أن تمثل هذه التطورات فرصة جديدة للولايات المتحدة لاستعادة دورها القيادي في مجال الروبوتات الصناعية. ويقول بيرنشتاين: “إنها فرصة أخرى للولايات المتحدة لتتولى القيادة.”

تتوقع شركة مورجان ستانلي أن يصل حجم سوق الروبوتات إلى 5 مليارات دولار بحلول عام 2050، مما يعكس حجم النمو المتوقع في القطاع، لكن التحدي الحالي يكمن في تلبية الطلب الحالي والضغط على الصناعة المحلية لتسريع الابتكار.

في النهاية، يبقى مستقبل التصنيع الأمريكي مرتبطًا بشكل وثيق بقدرة البلاد على تطوير قطاع الروبوتات الخاص بها، لكن حتى تتحقق هذه الرؤية، ستظل الولايات المتحدة تعتمد على الروبوتات الأجنبية المتقدمة. هذه الحقيقة تؤكد أن نهضة التصنيع في أمريكا هي مسعى طويل الأمد يتطلب تعاونًا عالميًا وتنافسية مستمرة في التكنولوجيا.

قد يعجبك ايضا