مطالب بروكسل بإعادة ضبط خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي تضع كير ستارمر في مأزق الهجرة

يواجه رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر تحديًا سياسيًا واقتصاديًا معقدًا بسبب مطالبة الاتحاد الأوروبي بإطلاق برنامج تنقل شبابي يتيح للشباب البريطاني والأوروبي العيش والعمل مؤقتًا في كلا الطرفين، ضمن إطار إعادة ضبط العلاقات بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

ويضع البرنامج، الذي تم الاتفاق على مبدئه خلال قمة “إعادة ضبط” الاتحاد الأوروبي في مايو/أيار الماضي، ع ستارمر أمام تضارب مباشر مع وعوده الانتخابية بتقليص صافي الهجرة.

وأكدت حكومة ستارمر ووزير علاقات الاتحاد الأوروبي نيك توماس سيموندز مرارًا أنهما لن يوافقا إلا على خطة تحدد سقفًا صارمًا للأعداد.

ويأتي هذا الموقف في ضوء المخاوف من أن برنامج تنقل شبابي غير محدد قد يؤدي إلى تدفق أعداد كبيرة من الشباب الأوروبي إلى المملكة المتحدة، بما يفوق عدد البريطانيين الذين سيغادرون إلى الاتحاد الأوروبي، مما يزيد صافي الهجرة بشكل كبير ويضع الحكومة في “خرق واضح” لالتزام حزب العمال الانتخابي.

ووفقًا لتقديرات برايان بيل، أستاذ الاقتصاد في كينغز كوليدج لندن، قد يؤدي برنامج تنقل شبابي مفتوح إلى وصول نحو 350 ألف أوروبي سنويًا، مقابل مغادرة 50 ألف بريطاني، ما قد يصل إلى 900 ألف شخص إضافي في المملكة المتحدة خلال فترة ثلاث سنوات عند استقرار البرنامج.

هذا السيناريو، كما يرى بيل، سيكون له تأثير مباشر على الإحصاءات الحساسة للهجرة الصافية، ويضع ستارمر في مأزق سياسي داخلي شديد، خاصة مع استمرار القلق الشعبي حول أعداد الوافدين.

على الجانب الآخر، يرى الاتحاد الأوروبي أن المخطط يمكن تكييفه لضمان توافق مصالح الجانبين، مع الأخذ في الاعتبار قيود العمر والمدة، وشروط التحقق قبل السماح بالتنقل.

ويعتبر المسؤولون الأوروبيون أن البرنامج لا يمنح حرية مطلقة، بل هو محدود ويخضع لإشراف دقيق. ومع ذلك، فإن بروكسل لا تصر على وجود حد أقصى صارم، مما يزيد من الضغوط على الحكومة البريطانية للوفاء بوعودها الانتخابية.

ويستند الجدل حول البرنامج جزئيًا إلى الافتراضات حول رغبة الشباب البريطاني والأوروبي في المشاركة.

إذ تشير البيانات التاريخية لبرنامج إيراسموس إلى أن عدد الطلاب الأوروبيين الذين جاؤوا إلى المملكة المتحدة في الفترة بين 2014 و2020 كان أكبر من البريطانيين المغادرين، لكنه أقل من التقديرات التي تُقلق الحكومة الحالية.

كما يُلاحظ أن الهجرة الصافية الحالية من الاتحاد الأوروبي إلى المملكة المتحدة تميل إلى أن تكون أعلى من تدفقات العكس، ما يضاعف المخاوف بشأن البرنامج غير المحدود.

ورغم هذه التعقيدات، يؤكد الخبراء أنه إذا تم وضع حد أقصى متوازن، فإن التأثير على صافي الهجرة سيكون ضئيلاً تقريبًا، وسيظل تحت السيطرة طوال فترة البرنامج.

ويتيح هذا السيناريو للحكومة الوفاء بتعهداتها الانتخابية مع استفادة الشباب البريطاني من الفرص الدولية، ولكن يتطلب توافقًا دقيقًا مع الاتحاد الأوروبي.

أما عن الأثر الاقتصادي المحتمل، فقد رفضت وزيرة المالية راشيل ريفز الافتراضات القائلة بأن البرنامج سيشكل دفعة كبيرة للاقتصاد، معتبرة أن عدد المشاركين المتوقع ضئيل مقارنة بسوق العمل البريطاني، حيث يعمل نحو 35 مليون شخص، وما زالت برامج التنقل السنوية الحالية محدودة بحوالي 25 ألف تأشيرة خارج الاتحاد الأوروبي.

في النهاية، يضع برنامج تنقل الشباب ستارمر في مواجهة مباشرة بين التزامات الاتحاد الأوروبي وبين وعوده الداخلية بخفض صافي الهجرة.

ويظل نجاح الحكومة البريطانية مرتبطًا بقدرتها على التوصل إلى حد أقصى متفق عليه، يرضي بروكسل ويستجيب للمتطلبات السياسية المحلية، وهو اختبار حقيقي للمهارات السياسية للزعيم البريطاني في إدارة ملف الهجرة بعد بريكست.

قد يعجبك ايضا