معركة التجنيد الإجباري تعود إلى الواجهة في ألمانيا

لم تُنهِ موافقة حكومة المستشار فريدريش ميرز على إصلاح نظام الخدمة العسكرية التطوعية الجدل الدائر حول مستقبل التجنيد الإجباري في ألمانيا. فبينما تسعى الحكومة إلى تعزيز القوات المسلحة من خلال حوافز مالية وخيارات تدريب متقدمة، يصرّ المحافظون داخل كتلة ميرز على إعادة فتح النقاش حول إلزامية الخدمة، معتبرين أن الإصلاح المقترح قد يبقى “رمزيًا” من دون ضمانات صارمة لتحقيق الأعداد المستهدفة.

إصلاح جديد… وخطوط حمراء قديمة

الخطة التي أقرها مجلس الوزراء يوم الأربعاء تُلزم الشباب الألمان من الذكور عند بلوغهم سن 18 بالتسجيل في نظام اختيار جديد، بينما تظل الخدمة نفسها طوعية. وسيُمنح المتطوعون حوافز مالية أكبر، إذ سترتفع رواتبهم من نحو 1500 يورو صافيًا شهريًا إلى 2300 يورو، إضافةً إلى برامج تدريب في مجالات مثل تكنولوجيا المعلومات أو قيادة المركبات.

تُقدَّم الخدمة عادة لفترة نصف عام مع إمكانية التمديد حتى 23 شهرًا، وبعدها يمكن للمجندين الانتقال مباشرة إلى قوات الاحتياط.

وترى الحكومة أن هذا النموذج سيُعزز القوات المسلحة ويستقطب الشباب، من دون العودة إلى التجنيد الإجباري المجمّد منذ عام 2011، التزامًا بالاتفاق السياسي بين الحزب الديمقراطي المسيحي وحلفائه في الائتلاف.

موقف المحافظين: “آلية إلزامية”

لكن داخل الكتلة المحافظة بقيادة ميرز، برزت اعتراضات قوية. فقد أكد النائب توماس إرندل، المتحدث باسم سياسة الدفاع في الكتلة، أن الخطة بصيغتها الحالية “لا تضمن الوصول إلى الأعداد المطلوبة”، محذرًا من خطر أن يتحول القانون إلى مجرد إصلاح شكلي.

ويقترح المحافظون إضافة آلية تلقائية تعيد فرض التجنيد الإجباري إذا لم تتحقق أهداف التجنيد خلال فترة محددة، من دون الحاجة إلى تصويت جديد في البرلمان. وهو تعديل سيُناقش عند القراءة الأولى لمشروع القانون في البوندستاغ بين 8 و10 أكتوبر/تشرين الأول.

ميرز يحاول الموازنة

المستشار ميرز نفسه حاول تهدئة المخاوف، فأكد أن الحكومة ستُجري مراجعة بعد عام أو عامين أو ثلاثة أعوام، وأنه في حال لم تتحقق الأهداف فسيتم تعديل القانون. لكنه رفض فكرة بند “ذاتي التنفيذ”، معتبراً أنها “ستكون غريبة للغاية”، لأن إعادة فرض التجنيد الإجباري تحتاج إلى دراسة ونقاش سياسي واسع، لا إلى قرار آلي.

هذا الموقف يعكس رغبة ميرز في الموازنة بين التزاماته الائتلافية وبين ضغوط الجناح المحافظ في حزبه، الذي يرى في التجنيد الإجباري ضمانة استراتيجية لأمن ألمانيا.

تحديات عملية

من جانبه، حذّر وزير الدفاع بوريس بيستوريوس من أن المشكلة لا تكمن فقط في عدد المتطوعين، بل في البنية التحتية والتدريب. وأوضح أن الجيش يفتقر إلى الثكنات والقدرة التدريبية الكافية لاستيعاب أعداد كبيرة بسرعة.

ويرى بيستوريوس أن تحسين الرواتب والتدريب قد يكون وسيلة أكثر واقعية لجذب المجندين في المدى القصير، بينما يحتاج النقاش حول التجنيد الإجباري إلى حلول لوجستية ومؤسساتية أوسع.

ومن الناحية الإجرائية، لا يزال القانون في مراحله الأولى. فبعد موافقة الحكومة، سيخضع لعدة قراءات في البرلمان، حيث يمكن للمشرعين اقتراح التعديلات. القراءة الأولى في أكتوبر ستكون لحظة حاسمة: إما أن يُمرر القانون كما هو، أو أن يفرض المحافظون تعديلات جوهرية تفتح الباب أمام عودة التجنيد الإجباري بصيغة جديدة.

قد يعجبك ايضا