فرنسا تدفع لتأجيل هدف المناخ لعام 2035.. وطموحات الاتحاد الأوروبي في اتفاق باريس على المحك

في خطوة مثيرة للجدل تهدد بتقويض التزامات الاتحاد الأوروبي في الذكرى العاشرة لاتفاق باريس، تضغط فرنسا خلف الكواليس لتأجيل تحديد هدف المناخ لعام 2035، وهو ما اعتبرته عدة دول أوروبية تقويضًا مباشرًا للطموحات المناخية للاتحاد قبيل مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ في البرازيل (COP30).

 

وبحسب ما كشفته صحيفة بوليتيكو، فإن باريس تسعى بالتعاون مع دول مثل بولندا والمجر، إلى فصل المناقشات بين الهدف المناخي لعام 2035 – المطلوب بموجب اتفاق باريس – وهدف 2040 الذي تفرضه التشريعات الأوروبية، وهي مناورة من شأنها إضعاف موقف الاتحاد الأوروبي في المفاوضات الدولية المقبلة.

 

ورغم النفي العلني من قبل وزارة التحول البيئي الفرنسية، أكد خمسة مسؤولين في أربع حكومات أوروبية مختلفة للصحيفة أن فرنسا تروّج لهذا الطرح في الاجتماعات المغلقة، فيما يعتزم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إثارة القضية رسميًا خلال قمة قادة الاتحاد الأوروبي يوم الخميس في بروكسل.

 

خلاف بين الأهداف وسباق مع الزمن

يعتمد الاتحاد الأوروبي على هيكلية ثلاثية لتحديد أهدافه المناخية: خفض الانبعاثات بنسبة 55% بحلول 2030، وتحقيق الحياد الكربوني بحلول 2050، مع هدف وسطي مقترح لعام 2040 بنسبة 90%. أما هدف 2035، فهو “التزام سياسي” ينبغي إعلانه في إطار اتفاق باريس كمساهمة محددة وطنياً (NDC).

 

وكانت المفوضية الأوروبية قد اقترحت أن يُحدد هدف 2035 بنسبة 72.5% كحل وسط بين هدفي 2030 و2040. غير أن محاولات فرنسا لفصل الهدفين، وفقًا لمصادر متعددة، من شأنها أن تؤدي إلى طرح هدف مخفف في مؤتمر COP30 – أو تأجيله، مما سيفسح المجال أمام القوى الكبرى الأخرى، مثل الصين والهند، لتقديم التزامات أقل طموحًا.

 

وقال أحد المسؤولين: “إن مجرد إثارة الموضوع في قمة الزعماء يُظهر الاتحاد الأوروبي وكأنه منقسم على نفسه. وهذا بالضبط ما يجب أن نتجنبه قبيل اجتماع عالمي بهذا الحجم”.

 

تناقضات فرنسا.. بين الريادة المناخية والانحياز الاقتصادي

ما يثير الاستغراب هو أن فرنسا – البلد المضيف لاتفاق باريس التاريخي عام 2015 – تقود الآن محاولة قد تضعف تنفيذه. وتبرر باريس ذلك باعتبارات تتعلق بالتنافسية الاقتصادية، حيث قال وزير الشؤون الأوروبية الفرنسي بنيامين حداد:

“قبل التسرّع نحو هدف جديد، علينا أولاً أن نعرف كيف نحققه. نحتاج إلى موازنة خفض الانبعاثات مع الحفاظ على القدرة التنافسية.”

 

غير أن هذا الطرح لم يلقَ استحسانًا من دول الاتحاد الأخرى، التي ترى أن هذه الاعتبارات تُستخدم كغطاء للتراجع عن الالتزامات المناخية. وقد رفضت غالبية الدول الأعضاء الاقتراح خلال اجتماع وزراء البيئة الأسبوع الماضي، حيث وصف أحد المشاركين الطرح بأنه “خطوة إلى الوراء” في لحظة حرجة.

 

مخاطر التأخير على المستوى العالمي

يُنظر إلى خطة المناخ الأوروبية لعام 2035 كمحور رئيسي في مؤتمر الأمم المتحدة المقبل، وهي ضرورية لضمان تسجيل الاتحاد الأوروبي ضمن “الحصيلة العالمية” (global stocktake) التي تقيم التقدم المحرز نحو تحقيق أهداف اتفاق باريس.

 

وبحسب مصادر مطلعة على مفاوضات بون التحضيرية الجارية حاليًا، فإن أي تأخير أوروبي في إعلان الهدف الجديد قد يؤدي إلى:

 

خسارة الاتحاد الأوروبي لدوره القيادي في المفاوضات المناخية الدولية.

 

تراجع ضغطه على دول الانبعاثات الكبرى، كالصين والهند والبرازيل، لتقديم خطط أكثر طموحًا.

 

إضعاف الثقة الدولية بجدية الكتلة الأوروبية في التعامل مع تغير المناخ.

 

وقال أحد المسؤولين: “الاتحاد الأوروبي يطالب الآخرين بالتحرك السريع، لكنه نفسه فشل في الالتزام بالموعد النهائي للأمم المتحدة في فبراير. وإذا تأخر الآن في سبتمبر أيضًا، فستكون العواقب الدبلوماسية كبيرة.”

 

المفوضية الأوروبية تتمسك بالخطة الأصلية

رغم الضغوط، لا تزال المفوضية الأوروبية متمسكة بالإبقاء على الربط بين هدفي 2035 و2040، وتخطط لطرح هدف 2040 رسميًا الأسبوع المقبل. وتُشير مصادر إلى أن المفوضية تحظى بدعم واسع من الدول الأعضاء الرافضة لفك الارتباط، في وقت تحتاج فيه أوروبا إلى إظهار وحدة الصف في ظل انقسام عالمي متزايد بشأن ملف المناخ.

 

وعليه فإن تحركات فرنسا لتأجيل الهدف المناخي لعام 2035 تضع الاتحاد الأوروبي أمام معادلة معقدة: هل يلتزم بمساره المناخي الطموح رغم الضغوط الاقتصادية؟ أم يُرضي الدول المترددة ويجازف بمصداقيته الدولية عشية مؤتمر مناخ حاسم؟

 

في الوقت الذي تتخلى فيه واشنطن عن القيادة المناخية، يترقب العالم موقف أوروبا. لكن هذا الموقف يبدو مهددًا بالتآكل من الداخل – من عاصمة اتفاق باريس نفسها.

قد يعجبك ايضا