واشنطن تُسرّع الخطى نحو القمر: ناسا تستعد لبناء أول مفاعل نووي على سطح القمر بحلول 2030
من المتوقع أن يُعلن شون دافي، المدير المؤقت الجديد لوكالة ناسا ومقدم برنامج فوكس نيوز السابق، هذا الأسبوع عن خطة طموحة لبناء أول مفاعل نووي أميركي على سطح القمر، وفقًا لوثائق مسرّبة اطلعت عليها صحيفة بوليتيكو.
تُمثل هذه الخطوة أول إجراء سياسي كبير لدافي منذ تعيينه بشكل مفاجئ في يوليو/تموز من قبل الرئيس دونالد ترامب، بعد سحب ترشيح الملياردير جاريد إيزاكمان إثر خلافات مع حليف ترامب ورئيس “سبيس إكس”، إيلون ماسك.
وبينما كانت ناسا قد ناقشت سابقًا فكرة توليد الطاقة النووية على القمر، فإن إعلان هذا الأسبوع من شأنه أن يُسرّع الجدول الزمني بشكل غير مسبوق، ويُعيد وكالة الفضاء إلى سباق فضائي جديد على وقع توتر استراتيجي متصاعد مع الصين وروسيا.
مفاعل نووي بقوة 100 كيلوواط.. بحلول 2030
وفقًا للوثائق المسربة، يُلزم التوجيه الجديد وكالة ناسا بطلب مقترحات من القطاع الخاص لبناء مفاعل نووي بقدرة 100 كيلوواط على القمر في موعد أقصاه 2030، وهو تطور رئيسي في مساعي الولايات المتحدة لتأمين وجود طويل الأمد على القمر.
ويُذكر أن ناسا كانت قد موّلت أبحاثًا لمفاعل أصغر بقدرة 40 كيلوواط سابقًا، مع جدول زمني أولي لإطلاقه بحلول أوائل الثلاثينيات. إلا أن توجيهات دافي تفرض تسريعًا واضحًا في هذا المشروع، بما يشمل تعيين قائد للمشروع، وجمع آراء القطاع الخاص خلال 60 يومًا.
وقال مسؤول في ناسا – تحدث بشرط عدم الكشف عن هويته – إن “الأمر لا يتعلق فقط بالبحث العلمي، بل بالفوز بـ السباق الفضائي الثاني”، في إشارة إلى المنافسة المتسارعة مع الصين، التي تخطط لإرسال أول رائد فضاء لها إلى سطح القمر خلال هذا العقد.
قلق من “المنطقة المحظورة” الصينية
تُبرز الوثائق أيضًا مخاوف ناسا من تحركات مشتركة للصين وروسيا على سطح القمر. وتحذر التوجيهات من أنه في حال تمكنت دولة أخرى من بناء مفاعل نووي أولاً، فإنها قد تُعلن عن “منطقة محظورة” تمنع الولايات المتحدة من التحرك بحرية، مما يعيد إلى الأذهان مخاوف الحرب الباردة في الفضاء.
وتأتي هذه الخطوة في وقت تواجه فيه ناسا تخفيضات حادة في الميزانية، حيث يدعو البيت الأبيض إلى تقليص الإنفاق على بعثات الاستكشاف والعلوم بنسبة تصل إلى 50%، مقابل زيادة تمويل برامج الفضاء المأهول، بما يتماشى مع رؤية ترامب لعودة أميركية قوية إلى الفضاء.
محطة فضاء بديلة قبل نهاية العقد
إلى جانب المبادرة النووية، قدّم دافي توجيهًا بتسريع خطط استبدال محطة الفضاء الدولية (ISS)، التي تعاني من التسريبات وشيخوخة البنية التحتية. وتهدف ناسا إلى منح عقدين على الأقل في غضون ستة أشهر لشركات تجارية لبناء محطات بديلة في المدار، على أن تكون واحدة منها جاهزة للعمل بحلول عام 2030.
ويحذر خبراء من أنه في حال تأخر هذا المشروع، فإن الصين قد تصبح الدولة الوحيدة التي تمتلك محطة فضائية مأهولة بشكل دائم.
وقد أبدت شركات مثل أكسيوم سبيس، وفاست، وبلو أوريجين استعدادها للمشاركة في المشروع، إلا أن التمويل الحكومي المحدود يثير القلق داخل الكونغرس، حيث عبّر عدد من النواب عن خشيتهم من أن تكون ناسا متأخرة في دعم هذه الشركات.
دافي في مواجهة السياسة والميزانية
يشغل شون دافي حاليًا منصب مدير وكالة ناسا بشكل مؤقت، وسط اعتراضات من بعض المشرعين على جمعه بين هذا الدور ومهام أخرى داخل إدارة ترامب. لكنه، على الرغم من هذه الانتقادات، يبدو مصرًا على ترك بصمة سياسية سريعة، عبر تسريع المشاريع الفضائية الكبرى.
وتُشير تحركاته إلى توجه نحو عسكرة الفضاء بشكل غير مباشر، وتكريس النفوذ الأميركي هناك، سواء عبر الطاقة النووية أو عبر البنية التحتية المدارية الجديدة.
هل تملك ناسا الموارد الكافية؟
ورغم أن بعض المسؤولين في ناسا عبّروا عن دعمهم لتسريع المشروع النووي، إلا أن آخرين حذروا من أن التخفيضات المالية تُعيق التقدم، لا سيما بعد أن أوقف البنتاغون تمويل مشروع مشترك مع ناسا بشأن محركات الدفع النووي للصواريخ.
وقال أحد مسؤولي الوكالة: “صحيح أن الميزانية لم تعطِ أولوية للدفع النووي، لكن ذلك لا يعني أن التقنية غير واعدة. العكس تمامًا.”
سباق ضد الزمن… والصين
مع دخول العالم مرحلة جديدة من المنافسة الفضائية، يبدو أن إعلان دافي المرتقب سيكون علامة فارقة في طموحات ناسا، التي تواجه تحديات مالية وتكنولوجية متزامنة، لكنها تجد نفسها مضطرة للتحرك بسرعة لتجنّب فقدان القيادة لصالح قوى أخرى.
وفي ظل تساؤلات متزايدة حول الأولويات والتمويل، يبقى الأمل بأن سياسة “القفز السريع” نحو القمر لن تنتهي بهبوط مؤجل… أو هزيمة تاريخية.