ترامب يدعم والتز في أزمة تسريبات سيغنال وإدارته تحاول صرف الأنظار عن الفضيحة

لم يكتفِ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بدعم مستشاره للأمن القومي المحاصر مايك والتز، في خضم تصاعد الجدل حول خرق أمني استثنائي، بل دعاه للجلوس إلى جانبه في غرفة مجلس الوزراء لإرسال رسالة دعم واضحة لا لبس فيها.

قال ترامب: “لا، لا أعتقد أنه ينبغي عليه الاعتذار”، واصفًا ما حصل بأنه “العثرة الوحيدة” في إدارته الجديدة. وأضاف: “أعتقد أنه يبذل قصارى جهده”.

وأكد الرئيس أنه لم يتم تبادل معلومات سرية ضمن مجموعة الدردشة التي ناقشت الضربات العسكرية في اليمن، دون أن يوضح كيف توصّل إلى هذا الاستنتاج. لكن مجرد تناوله الموضوع والإجابة عن أسئلة الصحفيين مرارًا، عكس قناعة مستشاريه بأنه الوحيد القادر على تهدئة الأزمة.

بعد متابعة جلسة استماع حادة في مجلس الشيوخ صباحًا، سعت الإدارة إلى احتواء التداعيات عبر استخدام منبر الرئيس لتغيير مسار الحديث. ظهر ترامب على الكاميرا، محاطًا بمرشحيه لمناصب السفراء، في اجتماع لم يكن مُعلنًا سابقًا، ووقع خلاله أوامر تنفيذية تتعلق بقضايا محافظة مثل اشتراط إثبات الجنسية لتسجيل الناخبين، وإلغاء سرية وثائق تحقيق مكتب التحقيقات الفيدرالي بشأن روسيا.

كلماته بعد الظهر كانت تهدف إلى توجيه رسالة لحلفائه في الكونغرس وخارجه، في محاولة لاحتواء الجدل المتنامي حول حقيقة مناقشة الخطط العسكرية عبر تطبيق “سيغنال”. واعتمد حلفاء الرئيس على أسلوب مألوف من “كتاب قواعد ترامب”: مهاجمة الصحافة.

ومع بدء كبار مسؤولي البيت الأبيض تنفيذ هذا الأسلوب، قال مقربون من ترامب – بعضهم شكك سابقًا في قدرة والتز على البقاء – إن بقاءه ليوم أو يومين إضافيين سيكفي لامتصاص العاصفة، وسيبقى في منصبه.

وقال والتز في مقابلة مع قناة فوكس مساء الثلاثاء: “أنا أتحمل المسؤولية الكاملة. أنا من أنشأ المجموعة. وظيفتي أن أضمن تنسيق كل شيء”، وهاجم رئيس تحرير مجلة The Atlantic جيفري غولدبرغ، دون توضيح كيف أُضيف رقمه إلى هاتفه.

بعد غضب أولي، ترامب يُلمّح إلى تجاوز الأزمة

قبل يوم من ذلك، كان والتز من أوائل من ناقشوا القضية مع ترامب، حسبما أفادت مصادر مطلعة لـCNN. وأبلغ والتز الرئيس بأنه لم يلتقِ أو يتحدث يومًا مع غولدبرغ، الذي يحمل ترامب ضده ضغينة شخصية منذ أن نشر الأخير تقريرًا عام 2020 قال فيه إن ترامب وصف الجنود الأمريكيين القتلى بـ”الخاسرين” و”الحمقى”.

وبحلول الوقت الذي تم فيه إحاطة ترامب بكامل تفاصيل الحادث من قبل والتز وآخرين، كان الصحفيون قد سألوه بالفعل عن الحادث المحرج. وادعى حينها أنه لا يعرف شيئًا.

بدأت المؤشرات الأولى للأزمة في صباح الإثنين، عندما بدأت قيادات الإدارة تتلقى إشعارات من البيت الأبيض تفيد بأن مجموعة “سيغنال” التي ناقشت بحرية الخطط العسكرية لضرب الحوثيين في اليمن، قد ضمّت عن طريق الخطأ صحفيًا من The Atlantic.

كان وزير الدفاع بيت هيغسيث في طريقه إلى آسيا وقت نشر القصة. وعند وصوله إلى هاواي، بدا غاضبًا، ونفى بشدة أنه أدرج خططًا عسكرية في المحادثة.

في واشنطن، اضطرت مديرة الاستخبارات الوطنية تولسي غابارد، ومدير وكالة الاستخبارات جون راتكليف، إلى تعديل استعداداتهما لجلسة استماع مهمة أمام الكونغرس بشأن التهديدات العالمية، تحسبًا لأسئلة محرجة حول تسريب معلومات سرية.

وفي البيت الأبيض، كان كبار الموظفين الذين كانوا ضمن مجموعة الدردشة يحاولون فهم ما حدث، وكيف يشرحونه لترامب، الذي لم يكن قد سمع سابقًا عن تطبيق “سيغنال” الذي يستخدمه مستشاروه لمناقشة خططه العسكرية.

قالت مصادر إن ترامب أبدى بعض الانزعاج في الاجتماعات المغلقة، لكنه في صباح الثلاثاء قلّل من شأن الحادث واصفًا إياه بـ”العثرة الوحيدة” حتى الآن، ما يعكس تقليله من حجم المشكلة، وفي نفس الوقت اعترافًا ضمنيًا بأنها كانت خطأ فادحًا.

وقد أوضح كذلك رغبته في تجاوز الأمر، واصفًا ما حدث بأنه “خلل تقني شائع”، لا أكثر.

وقال ترامب في غرفة مجلس الوزراء: “أحيانًا يُضاف أشخاص إلى المحادثة، وأنت لا تعلم بذلك”.

وبالنسبة لرئيس طالما أراد القضاء على التسريبات – والذي يخضع هو نفسه لتحقيق جنائي بسبب سوء تعامله مع وثائق سرية – كانت حادثة “سيغنال” اختبارًا حقيقيًا لإدارته الجديدة.

أظهرت المحادثات انقسامات داخل الفريق الأمني للرئيس، بما في ذلك بين بعض الأعضاء ونائب الرئيس جي دي فانس، الذي قال في إحدى الرسائل إن ترامب ربما “لا يدرك إلى أي درجة هذا يتعارض مع رسالته الحالية تجاه أوروبا”، بحسب The Atlantic.

كما أثارت الواقعة تساؤلات عن كفاءة بعض الشخصيات التي عيّنها ترامب في مواقع أمنية حساسة، مثل هيغسيث وغابارد، اللذين اضطرا للدفاع عن نفسيهما بعد أن شكك خصوم ترامب سابقًا في أهليتهما.

قال ترامب الثلاثاء: “عليك أن تتعلم من كل تجربة”، في إشارة إلى أن ما جرى مجرد “يوم عمل عادي”.

لكن، وعلى الرغم من جهود ترامب ومستشاريه للتقليل من أهمية القضية، والدفاع عن تفاصيل الخطط الحربية التي تم تداولها في تطبيق “سيغنال”، فإن كبار الديمقراطيين في الكونغرس دعوا إلى استقالة كل من والتز وهيغسيث.

حتى بعض الجمهوريين أبدوا انزعاجهم.
قال السيناتور الجمهوري كيفن كريمر: “يجب أن تكون هذه آخر مرة يحدث فيها شيء بهذا الحجم وهذا الغباء”، مضيفًا أن شخصًا ما بحاجة إلى “الاعتذار والتعهد بعدم تكراره”.

وأضاف: “بالنسبة لي، هذه ضربة أولى كبيرة جدًا. لا أعلم كم عدد الضربات المسموح بها، لكن هذه تستحق أن تُحسب بضربتين”.

وفيما تكهّن البعض بإمكانية إقالة أحد المسؤولين، أكدت المتحدثة باسم البيت الأبيض مساء الإثنين أن ترامب لا يزال يثق في والتز.

وعندما جمع الرئيس مرشحيه لمناصب السفراء عصر الثلاثاء، دافع علنًا عن مستشاره للأمن القومي قائلاً: “أعتقد أن الهجوم على مايكل كان غير عادل على الإطلاق”.

وقال مسؤولون إن ترامب شخصيًا يحب والتز، وهو راضٍ عن أدائه حتى الآن، ولهذا السبب قرر دعمه بسرعة رغم الفضيحة.

لكن السبب الأهم، بحسب مصادر مطلعة، هو أن الاعتراف بالخطأ أو إقالة والتز كان سيؤكد الانتقادات الموجهة للإدارة.

وبالتالي، تبنّى فريق ترامب، بتشجيع منه، استراتيجيته المعتادة: التقليل من أهمية الموقف، إنكار الأجزاء الأكثر خطورة في القصة، وتشويه سمعة الصحفي الذي نشرها.

ومع ذلك، اعترف حتى بعض حلفاء ترامب في السر أن الحادث أظهر الإدارة بمظهر غير كفء. فور نشر التقرير، انتشر في سلاسل رسائل داخل الإدارة، مع تعبير العديد من المسؤولين عن صدمتهم، وفقًا لما نقلته CNN.

ترامب يهاجم غولدبرغ… والمراجعة تشمل استخدام تطبيق “سيغنال”

قالت المصادر إن ترامب عبّر عن استيائه من غولدبرغ أثناء أول إحاطة تلقاها حول الموضوع.

ترامب لطالما كره هذا الصحفي منذ أن نشر تحقيقه عام 2020 عن وصف الرئيس للجنود القتلى بـ”الخاسرين”.

قال أحد المقربين من ترامب: “ما كان يمكن اختيار شخص أسوأ من غولدبرغ لإضافته إلى المحادثة”.

لكن في الوقت الذي كان البيت الأبيض يحاول فيه احتواء الفضيحة، بدأ المسؤولون أيضًا بمراجعة استخدام تطبيق “سيغنال”، وسط مخاوف من الاعتماد المفرط عليه.

وقال مسؤول سابق إن “الجميع يستخدم سيغنال ليل نهار”، لكن هذا “قد يتغير قريبًا”.

ومع ذلك، لم يقل أي من المسؤولين إنهم يتذكرون حالة تم فيها مناقشة معلومات سرية حول هجوم عسكري بهذه الطريقة. ومع ذلك، أشار البعض إلى أن التطبيق استُخدم أحيانًا لتسريب معلومات سرية إلى الصحفيين.

قال أحد مسؤولي الإدارة السابقين: “كنا نستخدم سيغنال للتواصل على مستوى الموظفين”، وأضاف: “لكن التخطيط وتنفيذ العمليات الحساسة كان يتم من قِبل الرئيس وأعضاء مجلس الأمن القومي في غرفة العمليات، سواء خلال ساعات العمل أو خارجها، من خلال اجتماعات أو اتصالات فيديو مؤمنة”.

وكان القلق واضحًا في البيت الأبيض والوكالات المعنية بشأن الحاجة إلى إرشادات جديدة لضبط الاتصالات الداخلية.

وأفادت التقارير أن كبيرة موظفي البيت الأبيض، سوزي وايلز، كانت ضمن مجموعة الدردشة، لكنها لم تُبدِ أي اعتراض على مناقشة قضايا حساسة عبر تطبيق تجاري.

ورفض المسؤولون الإجابة عما إذا كانت هذه الرسائل قد انتهكت اللوائح القانونية الخاصة بالتعامل مع معلومات من هذا النوع.

واختتم ترامب، قائلاً الثلاثاء: “لا أعتقد أننا نتطلع لاستخدام هذا التطبيق مرة أخرى”.

قد يعجبك ايضا