واشنطن بوست: ترامب يلوّح بولاية رئاسية ثالثة رغم الانتقادات

قالت صحيفة واشنطن بوست إن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب كان جالسًا في غرفة الطعام المجاورة للمكتب البيضاوي في وقت سابق من هذا الربيع، عندما لفت انتباهه شريط أخبار على شاشة “سي إن إن” يتحدث عن رغبته في الترشح لولاية ثالثة. ضحك ترامب بشدة على هذا التغطية المتزايدة، وفقًا لشخص مطّلع على اللحظة.

ولطالما قال ترامب إن حديثه عن الترشح مجددًا هو مجرد مزاح، رغم أن التعديل الثاني والعشرون من الدستور الأميركي يحظر صراحةً ذلك. لكنه مع ذلك لا يتوقف عن الحديث في هذا الموضوع — أحيانًا يُسأل عنه، وأحيانًا يُثيره من تلقاء نفسه.

وقد زاد من تداول الفكرة قيام شركته الخاصة مؤخرًا ببيع قبعات حمراء تحمل شعار “ترامب 2028”، وتفاعل أنصاره مع هذه الحملة لم يكن على الإطلاق من باب المزاح.

عند وصوله إلى تجمع انتخابي في ميشيغان يوم الثلاثاء للاحتفال بـ100 يوم على ولايته الثانية، كانت القبعات الحمراء تُباع في المكان، مثل تلك التي ارتداها ابنه إريك مؤخرًا، والتي بدأ “منظمة ترامب” بيعها. وعندما تحدث ترامب عن ولايتين، هتف الحشد: “ثلاثة! ثلاثة! ثلاثة!”، ورفع المؤيدون ثلاث أصابع، بينما وقف ترامب مبتسمًا.

وينص التعديل الثاني والعشرون للدستور الأميركي، الذي أُقر عام 1951 بعد وفاة الرئيس فرانكلين روزفلت الذي انتُخب لأربع ولايات، على التالي: “لا يجوز انتخاب أي شخص لمنصب الرئيس أكثر من مرتين”، و”لا يجوز لأي شخص شغل منصب الرئيس أو قام بمهام الرئيس لأكثر من عامين من ولاية انتُخب فيها شخص آخر رئيسًا، أن يُنتخب للرئاسة أكثر من مرة واحدة”.

في بداية ولايته الثانية، كان ترامب يتحدث عن الموضوع بأسلوب فكاهي يعكس إدراكه للعوائق القانونية. قال في تجمع في لاس فيغاس: “سيكون شرفًا عظيمًا أن أخدم ليس مرة واحدة فقط، بل مرتين. أو ثلاث مرات. أو أربع مرات”.

كما قال في مؤتمر للجمهوريين في مجلس النواب بواشنطن: “أعتقد أنني لن أترشح مجددًا – إلا إذا قلتم: إنه رائع جدًا وعلينا إيجاد حل”.

وذكرت الصحيفة أن هذه الرسائل المتناقضة تجعل من الصعب تحديد مدى جدّية ترامب في التفكير بالأمر. وكما هي العادة مع ترامب، فإن تصريحاته المتلاعبة تترك الجمهور في حيرة بين ما إذا كان يمزح أو يُمهّد فعليًا لفكرة الولاية الثالثة.

ويشمل ذلك حتى أنصاره. قالت سابرينا مارتينديل، التي حضرت مع ابنتها خطاب تخرج ترامب في جامعة ألاباما بتوسكالوسا يوم الخميس: “لا أعتقد أنه يمزح”، وأضافت وهي تضحك بشأن رغبتها في قبعة ترامب 2028، “لكنه يحب التلاعب بالأفكار”.

وقد أبدت مارتينديل موقفًا مترددًا من الولاية الثالثة، قائلة: “أنا مع الفكرة ربما لإريك؟ أو بارون في المستقبل؟ لنُهيئهم جميعًا!”.

وبحسب الصحيفة فإن ما هو واضح أن اهتمام ترامب بالموضوع — سواء من باب المزاح أو الجد — ازداد مع الوقت، بالتوازي مع اهتمام الجمهور. ففي مقابلة مع “ميت ذا برس” في يونيو 2019، قال: “أنا فقط أمزح. لن تكون هناك ولاية ثالثة”.

لكن بعد نحو ست سنوات، في مارس الماضي، أجاب على سؤال مشابه بطريقة مختلفة: “أنا لا أمزح”، مضيفًا: “هناك طرق يمكنك من خلالها القيام بذلك”.

ويبدو أن هذا التغيير في النبرة جاء جزئيًا نتيجة الدعم الذي يراه ترامب على وسائل التواصل الاجتماعي من أنصاره لفكرة الولاية الثالثة. وقال مسؤول كبير في البيت الأبيض إن أحد مساعدي ترامب المهووسين بجمع صور ومقاطع الميمز المؤيدة له طبع له منشورات تُشجعه على الترشح مجددًا.

وقد أحب ترامب بشكل خاص مقطع ميم قديم يعرض غلاف مجلة “تايم” لعام 2018 يُظهر لافتات لحملات ترامب تمتد حتى عام 2048 على أنغام “في قاعة ملك الجبل”، قبل أن تستمر اللافتات لتصل إلى عام 9000.

وقال أحد المقربين منه إن “70% مما يقوله ترامب حول الموضوع مزاح، و30% جدي”.

وتُثار مسألة الولاية الثالثة أحيانًا مع كل جولة لترامب خارج واشنطن أو عند تصاعد الجدل حول قضايا مثل ترحيل المهاجرين أو الاقتصاد. وقد كرّر ترامب لمن حوله وصف ولايته الحالية بأنها “ولايته الثالثة”، إشارة إلى ادعائه الكاذب بأنه فاز في انتخابات 2020. وقال أمام الحشد في ميشيغان: “في الواقع، نحن بالفعل خدمنا ثلاث ولايات، إذا حسبناها”.

وقال مسؤول في البيت الأبيض: “هذه المزحة تحولت إلى (لكن ماذا لو؟)”.

ويُشير حلفاء ترامب إلى أن الدستور يمنعه من الانتخاب لولاية ثالثة، لا من تولي المنصب. وتداول بعض أنصاره مؤخرًا سيناريو يترشح فيه ترامب لمنصب نائب الرئيس ثم يتولى الرئاسة بعد الانتخابات.

لكن هذا السيناريو يتعارض مع التعديلين الثاني والعشرين والثاني عشر، إذ ينص الأخير على أن من لا يحق له أن يكون رئيسًا لا يجوز أن يكون نائبًا للرئيس.

ومع ذلك، لا يعتقد الجميع أن هذه التعديلات ستمنع ترامب. قال لورانس ترايب، أستاذ القانون الدستوري بجامعة هارفارد، إن هناك وجهة نظر قانونية تسمح بذلك: “إذا قرر ترامب الترشح لولاية ثالثة، فأنا لا أرى أن الدستور سيمنعه”، وأضاف مازحًا: “ربما من يمنعه هو وجبات البرغر، لا الدستور”.

ويتفق مع هذا الرأي ستيف بانون، المستشار السابق لترامب، قائلاً: “في ظهر يوم 20 يناير 2029، سيكون دونالد جون ترامب رئيسًا للولايات المتحدة. على المؤسسة السياسية أن تبدأ باستيعاب هذه الحقيقة”.

وقد رفض بانون الإفصاح عن تفاصيل الطرق التي يراها ممكنة لتحقيق ذلك، لكنه أشار إلى أنه يعمل مع مستشارين من خارج البيت الأبيض وحملة ترامب والحزب الجمهوري، على وضع خطة.

وقال: “عندما يقول ترامب (أنا جاد في هذا)، خذوه على محمل الجد”، وأضاف: “عندما قال في ولايته الأولى (سأكون رئيسًا)، سخر الجميع منه. المؤسسة لا تزال لا تأخذه بجدية”.

ويقول مسؤولون في البيت الأبيض إن ترامب لا يعتزم السعي لتعديل دستوري. لكن ذلك لم يمنع النائب الجمهوري آندي أوغلز من تقديم مشروع قانون لتعديل الدستور، رغم أن رئيس مجلس النواب مايك جونسون اعتبره “بعيد المنال”.

وقال جونسون: “قلت للجميع أن يقرأوا الدستور. الطريق الوحيد هو التعديل الدستوري، وهذا يتطلب شروطًا صعبة للغاية”. وأضاف أنه وترامب تحدثا عن الموضوع “مازحين”.

وتعديل الدستور لإلغاء حد الولايتين يُعدّ تحديًا كبيرًا؛ إذ يتطلب موافقة ثلثي مجلسي النواب والشيوخ أو ثلثي الولايات، ثم تصديق ثلاثة أرباع الولايات عليه.

رغم ذلك، أشاد جونسون بترامب قائلًا إنه يفهم لماذا يرغب البعض في بقائه، “لأنه يحقق الكثير في أول 100 يوم، ويتمنون استمرار ذلك”، مضيفًا: “لكنني أعتقد أنه يدرك حدود الدستور، ولا أعتقد أن هناك جهدًا حقيقيًا لتعديله”.

أما السناتور الجمهوري جوش هاولي، وهو محامٍ دستوري، فضحك عند سؤاله عن الأمر: “ألا تعتقدون أنه يمازحكم؟ الدستور واضح. خففوا من توتركم”.

قد يعجبك ايضا