ترامب بين “صقور” إيران و”حمائم” الخليج: زيارة محفوفة بالانقسامات والأوهام
يستعد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للقيام بجولة إلى الخليج الأسبوع المقبل، في خضم توترات إقليمية متصاعدة وموعد نهائي إسرائيلي يلوح في الأفق بشأن اتفاق هدنة مع حركة حماس الفلسطينية.
لكن خلف واجهة الدبلوماسية والتحركات العسكرية، تشهد إدارة ترامب انقسامًا داخليًا متزايدًا بين جناحين متصارعين: الأول يدفع نحو التصعيد مع إيران، والثاني يسعى إلى خفض التوتر عبر تفاهمات دبلوماسية.
والخلاف داخل البيت الأبيض بات علنيًا. نائب الرئيس جاي دي فانس والمبعوث الخاص للشرق الأوسط ستيف ويتكوف يدفعان نحو إعادة إحياء المسار التفاوضي مع إيران، بما في ذلك اتفاق نووي معدل.
في المقابل، يقف وزير الخارجية ماركو روبيو ومستشار الأمن القومي السابق مايك والتز في معسكر المواجهة، داعين إلى خطوات أكثر حدة — وصلت إلى حدّ مناقشة قصف مباشر لطهران، وفق تسريبات من لقاء سري جمع والتز برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
إقالة والتز من منصبه جاءت بعد هذا اللقاء، ما كشف عن حدود التساهل داخل الإدارة تجاه التنسيق الإسرائيلي الأحادي، رغم تقليد ترامب الطويل في الانحياز لتل أبيب. فحتى ترامب، بحسب تقارير قريبة من البيت الأبيض، أصبح أكثر تقبّلًا لمسارات الدبلوماسية، على الأقل كتكتيك مرحلي.
إسرائيل تستعجل الحسم… وترامب يناور
الضغوط الإسرائيلية تضيف طبقة جديدة من التعقيد. فقد حدّدت تل أبيب نهاية زيارة ترامب كموعد نهائي للتوصل إلى اتفاق تبادل أسرى ووقف إطلاق النار في غزة، وهدّدت بـ”إزالة” القطاع بالكامل إذا لم يتحقق ذلك.
لكن نتنياهو يرى في تحركات واشنطن نوعًا من التخلي. فالاتفاق الذي أُبرم مؤخرًا مع الحوثيين لتفادي استهداف السفن الأمريكية لم يشمل ضمانات لإسرائيل، ما زاد من غضب الحكومة اليمينية التي باتت تشعر بأنها تُترك تدريجيًا لمصيرها.
وفي هذا السياق، وجّه ويتكوف رسالة تحذيرية غير مباشرة خلال لقائه عائلات الأسرى الإسرائيليين، قال فيها إن “القطار يغادر المحطة”، وإن استمرار الحرب سيضرّ بإسرائيل نفسها.
الخليج: حليف استراتيجي أم محطة تجارية؟
زيارة ترامب تأتي في وقت تتراجع فيه قيمة التحالفات التقليدية. لم يعد الخليج مجرد موقع للنفوذ العسكري الأميركي، بل تحوّل إلى شريك استثماري لعائلة ترامب نفسها. من المشاريع العقارية في قطر إلى الصفقات المليارية التي نالها صهره جيرد كوشنر، باتت العلاقة محكومة بحسابات اقتصادية وشخصية بقدر ما هي استراتيجية.
لكن هذه العلاقة تغيّرت. السعودية، التي استقبلت ترامب بحفاوة ملكية في 2017، لم تعد تساير الرؤية الأميركية بسهولة. فالتقارب مع إيران يمضي قدمًا، والملف النووي لم يعد أداة ابتزاز فاعلة.
والموقف السعودي من إسرائيل لم يتغير: لا تطبيع دون دولة فلسطينية. الحرب في غزة ووجود حكومة إسرائيلية متطرفة جعلا هذا الشرط أكثر صلابة من أي وقت مضى.
في موازاة هذه التحركات، يستعد فريق ويتكوف لعقد جولة محادثات نووية جديدة مع طهران في عُمان، خطوة يباركها الخليجيون بحذر، خشية أن يكون البديل هو الحرب.
لكن مراقبين يرون أن ترامب قد يعود من زيارته بخُفَّي صور، رغم كل صور الاستقبال والمجاملات. فالمكاسب الدبلوماسية تبدو محدودة، والمعارضة داخل إدارته لا تزال نشطة. كما أن حلفاء الأمس — من إسرائيل إلى الرياض — بدأوا يتعاملون مع واشنطن كقوة متراجعة، لا كمرجعية مطلقة.
وعليه فإن زيارة ترامب للخليج تُعَد اختبارًا مزدوجًا: أولًا لقدرته على فرض سياسة موحدة وسط إدارة منقسمة؛ وثانيًا لمدى قدرته على الحفاظ على نفوذ أميركي في منطقة تُعيد ترتيب أولوياتها بعيدًا عن البيت الأبيض. قد يحصل على صور وابتسامات، لكن فرص النجاح السياسي تبدو ضئيلة — في وقت يتحرك فيه “القطار الإقليمي” باتجاهات جديدة، لا يبدو أن ترامب قادر على اللحاق بها.