شعبية الولايات المتحدة تنهار عالمياً بعد عودة ترامب إلى البيت الأبيض

تشهد صورة الولايات المتحدة تراجعاً حاداً على الساحة الدولية منذ عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، وفقاً لنتائج مؤشر مدركات الديمقراطية لعام 2025. هذا المؤشر، الذي يصدر عن تحالف الديمقراطيات، استطلع آراء أكثر من 110 آلاف شخص في 100 دولة حول العالم، لقياس مواقفهم تجاه الديمقراطية والجغرافيا السياسية واللاعبين العالميين الكبار.

تدهور ملحوظ في صورة أمريكا
لأول مرة منذ سنوات، أعربت غالبية المشاركين في الاستطلاع عن انطباع سلبي عام تجاه الولايات المتحدة، مسجلةً بذلك تراجعاً كبيراً مقارنة بالعام الماضي. ويتركز هذا الانخفاض بشكل خاص في دول الاتحاد الأوروبي، حيث أظهرت البيانات تصاعد مشاعر الاستياء تجاه واشنطن.

العديد من العوامل تفسر هذا التراجع، إلا أن عودة ترامب إلى الحكم كانت في مقدمة الأسباب، خاصة بعد تصريحاته التي وصف فيها الاتحاد الأوروبي بأنه “فظيع” و”مُخادع” و”عبء على الولايات المتحدة”. هذه التصريحات، التي أعادت التوتر للعلاقات عبر الأطلسي، ساهمت في تأجيج مشاعر العداء تجاه واشنطن بين الشعوب الأوروبية.

وفي تعليقه على نتائج المؤشر، قال أندرس فوغ راسموسن، الأمين العام السابق لحلف شمال الأطلسي ومؤسس تحالف الديمقراطيات: “لم أتفاجأ بأن تصورات الولايات المتحدة قد انخفضت بهذا الشكل الحاد. الخطاب التصادمي والسياسات الأحادية لترامب تترك أثراً فورياً على الرأي العام الدولي”.

الصين تتقدم، وروسيا تتحسن تدريجياً
في المقابل، سجلت الصين تقدماً لافتاً في مكانتها الدولية، متجاوزةً الولايات المتحدة لأول مرة من حيث الانطباعات الإيجابية في معظم المناطق، باستثناء أوروبا. يعكس هذا التغير نجاح بكين في تعزيز صورتها كقوة اقتصادية وسياسية بديلة، مستفيدة من الانقسامات الغربية والحنق الدولي تجاه سياسات واشنطن.

أما روسيا، التي عانت من تدهور حاد في سمعتها عقب غزوها الشامل لأوكرانيا عام 2022، فقد أظهرت مؤشرات على تحسن نسبي في صورتها الدولية. ورغم أن الولايات المتحدة لا تزال تتفوق عليها في بعض المؤشرات، إلا أن الفارق بين البلدين أصبح ضئيلاً، في ظل تراجع صورة واشنطن وعودة موسكو التدريجية إلى المشهد الدبلوماسي.

ترامب: الأقل شعبية بين قادة العالم
على المستوى الشخصي، تعكس نتائج المؤشر أزمة شعبية عميقة للرئيس ترامب نفسه. إذ أظهر الاستطلاع أنه أقل شعبية على المستوى العالمي من نظيريه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الصيني شي جين بينغ، رغم سجل كل منهما في قضايا حقوق الإنسان والسياسة الخارجية العدوانية.

ترامب سجل أسوأ نتيجة بين قائمة ضمت مجموعة من الشخصيات السياسية والثقافية والدينية العالمية، متفوقاً في عدم شعبيته حتى على شخصيات مثيرة للجدل مثل إيلون ماسك، مؤسس “إكس” (تويتر سابقاً)، وبيل غيتس، إلى جانب البابا الراحل فرنسيس، والنجمتين تايلور سويفت وكيم كارداشيان.

إسرائيل: الأسوأ سمعة عالمياً
بجانب التراجع الأمريكي، برزت إسرائيل كصاحبة أسوأ سمعة بين الدول المشمولة في الاستطلاع. هذا التقييم السلبي كان الأكثر وضوحاً في الشرق الأوسط وجنوب آسيا، لكنه شمل أيضاً دولاً أوروبية لطالما اعتُبرت حليفة لإسرائيل، مثل ألمانيا وفرنسا.

يعزى هذا التدهور إلى التصعيد العسكري في غزة والضفة الغربية، والانتهاكات الحقوقية التي أثارت انتقادات واسعة من المجتمع الدولي. وزاد من حدة الانتقادات إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرات اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت بتهم ارتكاب جرائم حرب.

انعكاسات سياسية بعيدة المدى
تراجع شعبية الولايات المتحدة في ظل عودة ترامب لا يُعد مجرد مسألة رمزية، بل يحمل انعكاسات سياسية واقتصادية وأمنية بعيدة المدى. فمن جهة، يهدد هذا الانحدار بإضعاف قدرة واشنطن على بناء تحالفات دولية لمواجهة تحديات عالمية مثل الصعود الصيني، والتهديدات الروسية، وأزمات المناخ.

ومن جهة أخرى، يفتح الباب أمام قوى دولية منافسة لملء الفراغ الذي تخلفه واشنطن في مناطق عدة، لا سيما في العالم النامي، حيث تتنامى الاستثمارات الصينية والروسية كبدائل للنموذج الغربي التقليدي.

نظرة مستقبلية قاتمة؟
مع استمرار نهج ترامب التصادمي تجاه الحلفاء التقليديين، وتبنيه سياسة “أمريكا أولاً” بنسختها الأكثر عدوانية، تبدو الآفاق قاتمة لاستعادة الولايات المتحدة مكانتها كزعيم للنظام الدولي الليبرالي. فالثقة التي بُنيت عبر عقود من الشراكة العابرة للأطلسي تتآكل سريعاً، تاركة وراءها فراغاً دبلوماسياً يصعب تعويضه.

وفي ظل استمرار هذا التوجه، قد تجد واشنطن نفسها معزولة بشكل متزايد، في عالم يشهد تحولات جيواستراتيجية عميقة، حيث تُعيد قوى كبرى مثل الصين وروسيا رسم ملامح النظام العالمي الجديد.

قد يعجبك ايضا