خبراء يحذرون: خفض الوفيات على الطرق إلى النصف يتطلب جهوداً أكبر
وصل عقد الأمم المتحدة للعمل من أجل السلامة على الطرق إلى منتصفه، وهو العقد الذي يهدف إلى تقليل عدد الوفيات الناجمة عن حوادث الطرق إلى النصف بحلول عام 2030. رغم هذه الأهداف الطموحة، لا تزال الحوادث على الطرق تتسبب بخسائر بشرية هائلة تُعد من أكبر التحديات الصحية العالمية.
يُقتل يومياً ما يقارب 3260 شخصًا على الطرق حول العالم، أي ما يعادل تحطم ثماني إلى تسع طائرات ركاب ضخمة مليئة بالناس يومياً، وهو رقم صادم يعكس حجم هذه المأساة التي تصنفها منظمة الصحة العالمية بالوباء الصامت. تصل حصيلة الوفيات السنوية إلى حوالي 1.2 مليون شخص، وهي خسارة تفوق تلك التي تسببها الكثير من الأمراض.
حوادث الطرق هي السبب الأول لوفاة الشباب في مختلف أنحاء العالم. في المملكة المتحدة، مثلاً، تُقتل يومياً نحو خمسة أشخاص وتُصاب عشرات بجروح خطيرة نتيجة حوادث المرور، وفقًا لمنظمة بريك المتخصصة في الدفاع عن سلامة الطرق. ويقول لوكا ستراكر، مدير حملة بريك، إن سرعة انتشار هذه الحوادث وتأثيرها على حياة الناس يدعو إلى ضرورة تغيير حقيقي وجذري في كيفية التعامل مع سلامة الطرق.
رغم أن الحوادث تحظى بتغطية إعلامية، إلا أنها في كثير من الأحيان تُعتبر أمراً عادياً ومتوقعاً من قبل الجمهور، وهو ما يعكس تقبل المجتمع لفكرة أن هذه الحوادث أمر حتمي. إلا أن الخبراء يؤكدون أن معظم هذه الحوادث يمكن تجنبها من خلال اتخاذ إجراءات صارمة وفعالة.
يُذكر أن العقد الحالي للعمل من أجل السلامة على الطرق، الذي بدأ عام 2021، وضع هدفاً طموحاً بخفض عدد الوفيات إلى النصف بحلول عام 2030. وبالرغم من ذلك، فإن الانخفاض المحقق في السنوات الأخيرة لا يتجاوز 5%، مع استمرار زيادة عدد المركبات على الطرق حول العالم.
من التحديات الكبرى التي تواجه تحقيق هذا الهدف، بحسب البروفيسور كريس تشيري من جامعة تينيسي، هو غياب تركيز واضح على نقاط ضعف محددة في الأنظمة المرورية. فالحوادث ليست مجرد أخطاء فردية بل هي نتيجة إخفاقات متعددة في أنظمة السلامة تتوزع بين جهات مختلفة. ويضيف أن ذلك ساعد كثيرين على التهرب من المسؤولية، ما يجعل المعالجة أكثر تعقيداً.
من جهتها، تؤكد لوسي هاريسون، مديرة العدالة والتوعية في مؤسسة RoadPeace، على أهمية تغيير النظرة المجتمعية إلى حوادث الطرق، مشيرة إلى أن البعض لا يعتبرها جرائم رغم ما تتركه من آثار مدمرة. وتقترح إنشاء فرع مستقل للتحقيق في أسباب الحوادث على غرار التحقيقات الجوية، بهدف فهم الأسباب الجذرية ومنع تكرارها.
تشير منظمة الصحة العالمية إلى أن الذكور هم الأكثر تعرضاً للوفاة في حوادث الطرق، بنسبة ثلاث أضعاف الإناث. وتكون الأوضاع أشد خطورة في الدول ذات الدخل المنخفض والمتوسط، التي تستحوذ على 60% من المركبات لكنها تتحمل 92% من إجمالي الوفيات على الطرق. وتُظهر الإحصائيات أن ربع القتلى هم ركاب سيارات، و30% من راكبي الدراجات النارية، و21% من المشاة، بينما يمثل راكبو الدراجات وحافلات النقل والشاحنات النسبة المتبقية.
بعيداً عن الوفيات، يصاب سنوياً ما بين 20 إلى 50 مليون شخص بإصابات مختلفة على الطرق، بعضها يؤدي إلى إعاقات دائمة تؤثر على حياتهم بشكل جذري.
أحد المحاور الرئيسية للحد من الحوادث هو السيطرة على سرعة المركبات. تزداد خطورة الحوادث بشكل كبير مع زيادة السرعة، حيث تتضاعف مسافة التوقف عند زيادة السرعة من 20 إلى 30 ميلاً في الساعة، مما يزيد من فرص وقوع الحوادث وشدتها. يؤكد الخبراء أن تقليل السرعة في المناطق التي ينتشر فيها المشاة يؤدي إلى خفض كبير في عدد الوفيات والإصابات.
الحاجة إلى رقابة صارمة على الالتزام بالسرعات القانونية تعد أمراً حاسماً. يقول البروفيسور ستيفان باورنشوستر من جامعة باساو إن التوعية فقط لا تكفي، بل يجب أن يشعر السائقون بخوف حقيقي من العقاب، مثل الغرامات أو السحب الفوري لرخص القيادة، كي يقودوا بحذر.
تُعتبر التجارب الأوروبية، التي نفذت أنظمة صارمة لإدارة السرعة، نموذجاً ناجحاً، حيث تم خفض حدود السرعة إلى 30 كيلومتراً في الساعة في المناطق الحضرية، مما أدى إلى تقليل الوفيات بشكل ملحوظ. غير أن هذه السياسات تواجه أحياناً معارضة شعبية، كما حدث في ويلز التي شهدت احتجاجات ضد تحديد السرعة، إلا أن الأرقام أظهرت بعد ذلك انخفاضاً واضحاً في الحوادث.
في دولة الإمارات العربية المتحدة، شهد معدل الوفيات على الطرق انخفاضاً كبيراً بعد تبني مجموعة من الإجراءات الصارمة، منها تطبيق قوانين المرور باستخدام الكاميرات، والتأكد من الالتزام بارتداء حزام الأمان، بالإضافة إلى تحسين خدمات الطوارئ الطبية. ويشير توماس إيدلمان، مؤسس جمعية سلامة الطرق في الإمارات، إلى أن التطور في تقنيات المركبات الحديثة، مثل أنظمة التحذير من الاصطدام، ساهم أيضاً في هذا الإنجاز.
يرى الخبراء أن التحدي الأكبر مستقبلاً هو الحد من ظاهرة القيادة المشتتة بسبب استخدام الهواتف المحمولة، بالإضافة إلى تعزيز تعليم السلامة المرورية منذ سن مبكرة. رغم أن تقنيات القيادة الذاتية قد تساعد على المدى الطويل، إلا أن تطبيقها الشامل لا يزال بعيداً.
في الختام، يؤكد الخبراء أن خفض الوفيات على الطرق إلى النصف ممكن إذا تم تبني إجراءات صارمة وجريئة تشمل تحسين التشريعات، وتعزيز تطبيقها، وتغيير الثقافة المجتمعية تجاه السلامة المرورية. كما يبرز الأثر الكبير لهذه الحوادث على الأسر والمجتمعات، مما يجعل من حماية الأرواح أولوية لا تحتمل التأجيل.