المفاوضات الأمريكية-الإيرانية النووية: هل تكرار 2015 مع ظروف جديدة؟
بعد أسابيع من المفاوضات المضنية حول البرنامج النووي الإيراني، تظهر تساؤلات متزايدة حول إمكانية التوصل إلى اتفاق جديد بين الولايات المتحدة وطهران. يتكرر المشهد، حيث تشهد المحادثات خلافات عميقة بشأن مستوى تخصيب اليورانيوم وجهود إيران لرفع العقوبات الأمريكية التي استمرت لسنوات، وسط تكهنات دبلوماسية تحاكي مفاوضات عام 2015 التي أسفرت عن خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA).
لكن الأمر الأبرز هذه المرة هو أن البيئة الإقليمية والدولية تغيرت جذريًا منذ ذلك الحين، مما قد يفتح بابًا جديدًا للتوصل إلى تفاهمات تخدم استقرار الشرق الأوسط وتقلل من المخاطر الجيوسياسية.
خلفية الاتفاق النووي 2015
في عام 2015، تمكنت القوى العالمية الكبرى من التوصل إلى اتفاق مع إيران بهدف حصر أنشطتها النووية في الأغراض السلمية مقابل رفع العقوبات الدولية التي كانت تثقل كاهل الاقتصاد الإيراني. هذه الخطوة كانت نقطة تحول دبلوماسية تاريخية، لكنها لم تدم طويلاً. في 2018، انسحبت الولايات المتحدة من الاتفاق خلال ولاية الرئيس السابق دونالد ترامب، مما أدى إلى عودة العقوبات الأمريكية بشكل أشد وأزمة دبلوماسية خانقة.
تغيرات في البيئة الإقليمية
ما يجعل المحادثات الحالية مختلفة، حسب مراقبين، هو التغير الكبير الذي طرأ على شبكة إيران من الوكلاء المسلحين المنتشرين في مناطق عدة من الشرق الأوسط، من لبنان إلى اليمن. هذه الشبكة التي كانت تشكل عمودًا فقريًا لنفوذ طهران الإقليمي، تعرضت لتراجع ملحوظ خلال السنوات الأخيرة، وهو ما يخفف من حدة الخلافات التي أعاقت المفاوضات سابقًا.
وقد استغلت إيران في فترة تخفيف العقوبات بعد 2015 لتقديم دعم مادي وعسكري لهذه الجماعات، ما أدى إلى تأزيم أوضاعها الداخلية. لكن التراجع النسبي في قدرة طهران على فرض أجندتها الإقليمية يمنح فرصة للبحث عن حلول وسط تتيح التقدم في المحادثات النووية.
تحسن العلاقات الدبلوماسية في المنطقة
على الصعيد الدبلوماسي، شهدت المنطقة تحولات مهمة بدأت عام 2023 مع الوساطة الصينية التي ساهمت في تطبيع العلاقات بين السعودية وإيران، وهو إنجاز دبلوماسي غير مسبوق منذ سنوات طويلة. كما عيّنت إيران سفيرًا لدى الإمارات للمرة الأولى منذ 2016، مما يعكس تحولًا في مناخ العلاقات الإقليمية.
وتكتسب هذه التحولات أهمية خاصة في ظل عودة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، وتزايد اهتمام واشنطن بالمنطقة. زيارة ترامب الأخيرة إلى الخليج أظهرت انخراطًا أمريكيًا أكبر في الشرق الأوسط، وهو عامل لا بد أن يؤثر على ديناميكيات المفاوضات مع إيران.
الأبعاد الاقتصادية والإنسانية في إيران
لن يكون الشعب الإيراني بعيدًا عن تأثير أي اتفاق نووي جديد، بل هو أحد أكبر المستفيدين منه. فبعد سنوات من التدهور الاقتصادي الناجم عن العقوبات وإدارة سيئة، تعاني إيران من مشاكل حادة مثل انخفاض إيرادات النفط، تراجع قيمة العملة، وارتفاع التضخم، ما زاد من معاناة المواطنين.
البنية التحتية للبلاد تعاني أيضًا، حيث يشير محللون إلى أن السكك الحديدية الإيرانية على شفا الانهيار، وأن شبكات الطرق، والموانئ، والأسطول الجوي المدني بحاجة ماسة إلى تحديث. كما زاد الطلب على الطاقة بشكل كبير نتيجة للنمو الحضري والصناعي المتسارع، فيما يفاقم تعدين العملات المشفرة غير المنظم أزمة الكهرباء التي تعاني منها البلاد.
وهنا تبرز أهمية برنامج نووي مدني يركز على توليد الكهرباء، إذ يمكن أن يوفر طاقة نظيفة ومستقرة تخفف من أزمات الطاقة المتكررة، وتعزز الاقتصاد المحلي بعيدًا عن الإنفاق العسكري المكثف.
المراقبة الصارمة وتخفيف العقوبات تدريجيًا
تعول الأطراف المعنية على آليات مراقبة صارمة للبرنامج النووي الإيراني، جنبًا إلى جنب مع عملية تخفيف تدريجية للعقوبات، لتوفير الثقة المتبادلة بين الجانبين. ويبدو أن هناك تفاؤلًا حذرًا إزاء إمكانية إبرام اتفاق جديد، إذ أشار جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق وأحد المهندسين الرئيسيين لاتفاق 2015، في مقابلة حديثة إلى “إشارات واضحة من إيران حول رغبتها في إبرام اتفاق”.
هذا التفاؤل، وإن كان مشوبًا بالحذر، يعكس الأمل في أن يؤدي الاتفاق إلى إزالة ملف نووي حساس من قائمة المخاطر الدولية، وفتح أفق جديد للتعاون الدبلوماسي في منطقة الشرق الأوسط المضطربة.
تحديات وفرص الاتفاق الجديد
رغم الأجواء الإيجابية، تواجه المفاوضات تحديات معقدة. على الجانب الأمريكي، لا تزال هناك مقاومة من التيارات المتشددة داخل الحزب الجمهوري، التي قد تعارض تخفيف العقوبات أو التنازلات تجاه إيران. ومن جهة أخرى، يجب على القيادة الإيرانية أن تضع في حساباتها ضرورة تهميش المتشددين داخليًا، بالإضافة إلى إمكانية إنهاء الدعم العسكري للجماعات المسلحة مثل ميليشيا الحوثي في اليمن.
وإذا توفرت هذه الشروط، فقد يصبح من الممكن إعادة إرساء تفاهم عملي يخدم مصالح الطرفين ويعزز الاستقرار الإقليمي.
ختام: بداية جديدة محتملة للشرق الأوسط
في ظل هذه التطورات، يحمل اتفاق نووي جديد إمكانية أن يكون نقطة انطلاق لمسار جديد في الشرق الأوسط، يسير على نهج مبادرات السلام والتطبيع التي شهدناها مؤخرًا في دول مثل لبنان وسوريا.
إن التوصل إلى اتفاق لن يقتصر على الملف النووي فقط، بل قد يفتح أبوابًا لحوار أوسع حول قضايا الأمن الإقليمي، ويقلل من التوترات التي طالما أججت الصراعات في المنطقة.
يبقى السؤال مفتوحًا حول مدى قدرة الأطراف المعنية على تجاوز الخلافات السياسية الداخلية، وتقديم تنازلات استراتيجية تصب في صالح السلام والاستقرار.