ميركل تنتقد سياسة الهجرة لـ«ميرتز»: تهديد لحرية التنقل داخل الاتحاد الأوروبي

انتقدت المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل سياسة الهجرة التي يتبعها المستشار الحالي فريدريش ميرتز، معتبرةً إياها تهديدًا جوهريًا لحرية التنقل داخل الاتحاد الأوروبي. جاء ذلك في تصريحات أدلت بها خلال فعالية سياسية، حيث حذرت من أن التركيز على فرض قيود داخلية على الحدود بين دول الاتحاد سيكلف أوروبا الكثير، بل قد يهدد وحدة السوق الأوروبية الحرة.

وقالت ميركل، التي قادت ألمانيا لما يقرب من 16 عاماً، إن على الاتحاد الأوروبي “التركيز على حماية حدوده الخارجية فقط، وكل شيء آخر سيكلفنا في نهاية المطاف”. وأضافت: “إذا أصبحت حدودنا الداخلية دائمًا مناطق مراقبة وحواجز، فإن حرية التنقل التي نعتز بها في الاتحاد الأوروبي ستكون في خطر.”

وأكدت ميركل حرصها على “الحلول الأوروبية الموحدة” لمواجهة تحديات الهجرة، محذرة من أن غيابها قد يؤدي إلى تفكك أوروبا كما نعرفها. وقالت: “أدافع عن حلول أوروبية، وإلا فقد نرى أوروبا تُدمَّر، وهذا ما لا أريده، وآمل ألا ترغب الحكومة الفيدرالية الجديدة في ذلك أيضًا. أفترض أنها لا تريد ذلك.”

تصعيد جديد في الخلافات السياسية

تأتي تصريحات ميركل في سياق تصاعد الخلافات بين زعيم حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي الحاكم، المستشار فريدريش ميرتز، الذي يتبع سياسة هجرة متشددة، وبين ميركل التي تتبنى نهجاً أكثر اعتدالاً وتأكيداً على التعاون الأوروبي.

قبل أيام من الانتخابات الألمانية المبكرة في 23 فبراير، تعهد ميرتز باتخاذ إجراءات صارمة على الهجرة منذ اليوم الأول لتوليه منصبه. وعلى الفور، أعلن وزير الداخلية ألكسندر دوبريندت عن تشديد الرقابة على الحدود الألمانية، لا سيما مع النمسا وبولندا، وهو ما أدى إلى منع دخول المزيد من المهاجرين، بمن فيهم طالبي اللجوء.

هذه السياسة واجهت انتقادات واسعة من خبراء القانون وأحزاب المعارضة اليسارية، فضلاً عن دول الجوار، التي اعتبرت أن هذه الإجراءات تنتهك قوانين الاتحاد الأوروبي التي تضمن حرية التنقل وعدم فرض رقابة مشددة داخل حدود الاتحاد.

في تعليقها على هذه الخطوات، قالت ميركل: “لا أعتقد أننا قادرون على مكافحة الهجرة غير الشرعية على الحدود الألمانية النمساوية أو البولندية بالطرق التي يطرحها ميرتز. لطالما دافعتُ عن الحلول الأوروبية، والحقيقة أن الأمر يستغرق وقتًا طويلًا جدًا، لكنه الطريق الصحيح.”

توترات داخل الحزب الواحد

هذه ليست المرة الأولى التي تنتقد فيها ميركل علنًا سياسات ميرتز هذا العام، رغم أن كلاهما ينتمي إلى حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي الحاكم. قبل أسابيع من الانتخابات، وجهت ميركل انتقادات لاذعة لقرار ميرتز الاعتماد على أصوات السياسيين من اليمين المتطرف في البرلمان الألماني لتسريع إقرار تشريعات مناهضة للهجرة.

من جانبه، كان ميرتز قد انتقد ميركل مرارًا بسبب قرارها استقبال مئات الآلاف من اللاجئين السوريين في عام 2015، وهو القرار الذي شكّل نقطة فاصلة في السياسة الألمانية وأثر في انقسامات الحزب على مدى السنوات الماضية. بعد ذلك، اتجه ميرتز إلى توجيه حزبه نحو سياسات أكثر تشددًا، خصوصًا في ملف الهجرة.

تجدر الإشارة إلى أن علاقة ميرتز وميركل لطالما كانت متوترة. فقد انسحب ميرتز من الحزب في أوائل الألفية بعد خسارته صراعًا على زعامة الحزب لصالح ميركل، ثم أمضى نحو عقد من الزمن في القطاع الخاص قبل أن يعود إلى الساحة السياسية عقب تنحي ميركل عن قيادة الحزب عام 2018.

سياسات الهجرة: معركة على هوية ألمانيا وأوروبا

تعتبر قضية الهجرة من أكثر المواضيع إثارة للجدل في السياسة الألمانية والأوروبية بشكل عام، لا سيما مع تدفق أعداد كبيرة من اللاجئين والمهاجرين خلال العقد الماضي. يرى مؤيدو التشدد أن فرض ضوابط مشددة على الحدود ضروري للحفاظ على الأمن والنظام، في حين يحذر المعارضون من أن هذه السياسات قد تقوض القيم الأوروبية الأساسية، مثل حرية التنقل وحقوق الإنسان.

وبالنسبة لميشيل كراوس، محلل شؤون الاتحاد الأوروبي، فإن “انتقادات ميركل تعكس مخاوف كبيرة داخل المؤسسة الأوروبية من أن تضعف الإجراءات الأحادية الجانب الثقة بين الدول الأعضاء، مما قد يؤدي إلى تصدع الوحدة الأوروبية التي تعد حجر الزاوية في القوة السياسية والاقتصادية للاتحاد.”

خاتمة

بينما تتجه ألمانيا بقيادة ميرتز إلى تشديد سياسة الهجرة، تظل أصوات معتدلة مثل ميركل تدعو إلى تكاتف أوروبي وحلول جماعية تعزز التعاون بين الدول الأعضاء، وتضمن حماية الحدود الخارجية دون المساس بحرية التنقل الداخلية.

يبقى التحدي الأساسي هو كيفية الموازنة بين الأمن والحفاظ على القيم الأوروبية التي تشكل الأساس السياسي والاجتماعي للاتحاد، خصوصًا في ظل تصاعد الضغوط السياسية من القوى اليمينية والشعبوية داخل ألمانيا وباقي أوروبا.

قد يعجبك ايضا