تدهور قياسي في المناخ بالمملكة المتحدة مع ربيع 2025 الأكثر جفافًا
تتواصل سجلات المناخ في المملكة المتحدة والعالم بالتدهور مع تأثيرات ظاهرة الاحتباس الحراري التي تقلب أنماط الطقس التقليدية.
ورحب ربيع عام 2025 في المملكة المتحدة بهذه الظاهرة، حيث سجل شهر أبريل/نيسان من هذا العام أرقامًا غير مسبوقة في درجات الحرارة والإشعاع الشمسي، بينما شهد الربيع حتى الآن جفافًا تاريخيًا منذ أكثر من قرن.
أفادت هيئة الأرصاد الجوية البريطانية أن أبريل كان الأشهر الأكثر إشراقًا على الإطلاق، والثالث الأكثر دفئًا، في حين انخفض معدل هطول الأمطار بشكل حاد ليصل إلى 80.6 ملم فقط مقارنة بمتوسط 229 ملم المعتاد. وبالرغم من هطول بعض الأمطار خلال الأسبوع الجاري، فإن مستويات خزانات المياه لا تزال منخفضة للغاية، وهو ما دفع وكالة البيئة في إنجلترا إلى تحذير من خطر جفاف متوسط في حال استمرار نقص الأمطار. ويخشى المحللون من ارتفاع احتمال نشوب حرائق الغابات وفرض قيود صارمة على استخدام المياه خلال الأشهر المقبلة.
يؤكد الدكتور فيليب ويليامسون، أستاذ المناخ بجامعة إيست أنجليا، أن المناطق الشرقية من إنجلترا تعاني جفافًا حادًا. وقال لصحيفة ذا ناشيونال: “سيكون الوضع خطيرًا للغاية ما لم تهطل أمطار غزيرة. إذا استمر الجفاف، ستتعرض الأشجار للموت، وستتضرر المحاصيل الزراعية، مما قد يؤدي إلى كارثة بيئية واقتصادية.”
تحذيرات مقلقة صدرت أيضًا من المزارعين الذين يلاحظون تراجع نمو محاصيل البنجر السكري وغيرها، مع بدء بعضهم بري الحقول مبكرًا. ويشير مركز علم المياه والبيئة إلى أن موجة جفاف عام 1975، التي امتدت إلى الصيف التالي، أدت إلى انخفاض كبير في غلة محاصيل الشعير الربيعي قد تصل إلى 50% في بعض المناطق، مما يشير إلى حجم المخاطر في حال استمرار الظروف الجافة.
يرجع استمرار أنظمة الضغط العالي التي تؤثر على المملكة المتحدة منذ فبراير إلى التيار النفاث الذي ظل يمر شمال البلاد أكثر من المعتاد، وهو ما يفسر الظروف المناخية المعتدلة والجافة خلال الربيع الحالي. غير أن العلماء يناقشون ما إذا كان تغير المناخ عاملًا رئيسيًا في تكرار هذه الظواهر.
يقول الدكتور ويليامسون: “من الصعب تحديد ما إذا كان نمط معين هو نتيجة لتغير المناخ، لكن تغير المناخ يجعل هذه الظروف القاسية أكثر احتمالًا، وقد أصبح مثل هذه الأحداث تحدث مرة كل عشر سنوات بدلاً من كل مئة عام.” وتدعم هذه الفكرة الأرقام الصادرة عن مكتب الأرصاد الجوية البريطاني التي تظهر ارتفاع متوسط درجات الحرارة في المملكة المتحدة بمقدار 0.8 درجة مئوية بين الفترتين 1961-1990 و1991-2020، مع زيادة في هطول الأمطار بنسبة 7.3% وارتفاع في سطوع الشمس بنسبة 5.6%.
في المقابل، يشير بوب وارد من معهد غرانثام للأبحاث المناخية بجامعة لندن إلى أن تحسين جودة الهواء بسبب التشريعات الأوروبية قد يكون سببًا في ازدياد سطوع الشمس، إذ أن انخفاض جزيئات التلوث يقلل من تكوّن السحب التي تحجب ضوء الشمس. ويقول: “خفض تلوث الهواء يوفر أجواء أكثر إشراقًا، ولا يمكن الجزم حتى الآن بأن الجفاف الحالي مرتبط فقط بتغير المناخ.”
وتؤكد الأرقام أن مستويات جسيمات PM2.5 الدقيقة الملوثة انخفضت بنسبة 54% منذ عام 2003، رغم أن غالبية السكان ما زالوا يعانون من مستويات تلوث أعلى من الحد الموصى به من منظمة الصحة العالمية. من جهته، يشير الدكتور راميت ديبناث من جامعة كامبريدج إلى أن “تغير المناخ هو بالتأكيد عامل مؤثر في هذه الظواهر، خاصة مع تصاعد تأثيراته التي تجعل الطقس أكثر شراسة وتعقيدًا.”
وحذر ويليامسون من أن استمرار موجة الجفاف قد يؤدي إلى صيف حار بشكل خاص، مشيرًا إلى أن الأرض الجافة ترتفع حرارتها أكثر مع اقتراب الصيف، مما قد يؤدي إلى تكرار تسجيل درجات حرارة قياسية مثل التي سُجلت في يوليو 2022 حين وصلت إلى 40.3 درجة مئوية في لينكولنشاير، الأمر الذي تسبب في اندلاع حرائق عديدة وزيادة استنفار فرق الإطفاء.
وأشار بوب وارد إلى أن الطقس الجاف هذا الربيع يزيد من خطر حرائق الغابات ويستدعي فرض قيود أكثر صرامة على استخدام المياه، خصوصًا مع استمرار انخفاض مخزون الخزانات المائية. من ناحية أخرى، شدد ويليامسون على أهمية تسريع الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة والابتعاد عن الوقود الأحفوري لاحتواء تفاقم انبعاثات الغازات الدفيئة التي تؤدي إلى تغيرات مناخية حادة.
توقعات الطقس تشير إلى تحوّل إلى ظروف أكثر رطوبة مع نهاية الأسبوع، مع انخفاض الضغط الجوي وتحرك التيار النفاث نحو الجنوب، ما قد يمنح فترة راحة مؤقتة للمزارعين والحقول الجافة، لكن المراقبين يترقبون ما إذا كانت هذه حالة مؤقتة أم بداية لتغير طويل الأمد في أنماط الطقس.