إنجاز علمي يكشف أسرار تكيف الورود مع التربة المالحة ويمهد لتحسين المحاصيل

في إنجاز علمي قد يفتح آفاقًا جديدة أمام الزراعة في المناطق القاسية، اكتشف باحثون صينيون الآلية التي تمكّن وردة «الورد الخشن» من التكيف مع التربة المالحة، في خطوة قد تسهم في تطوير نباتات زينة ومحاصيل زراعية أكثر قدرة على مقاومة الملوحة، التي تمثل تهديدًا متناميًا للأمن الغذائي العالمي.

قاد الدراسة فريق من جامعة تشينغداو الزراعية، حيث تمكن العلماء من تحديد دور بروتين أساسي يسمى MYB5، الذي ينظم تفاعل الورد مع الإجهاد الناتج عن الملوحة العالية.

وأوضح الفريق أن هذا البروتين يتحكم في خصائص مهمة مثل لون البتلات ورائحتها، وهو ما يعد من أسرار بقاء الورد ونموه في بيئات قاسية.

اللون والرائحة… مفتاح التكيف

قال البروفيسور غوها تشاي، الذي ترأس البحث، إن الورود تستخدم آلية ذكية للتكيف، حيث يعمل بروتين MYB5 على تنشيط جين يسمى ANR المسؤول عن إنتاج مركبات الفلافونويد التي تعطي البتلات ألوانها الزاهية.

وفي الوقت ذاته، يثبط البروتين جينًا آخر يُعرف باسم TPS31، المرتبط بإنتاج مركبات التربينويد المسؤولة عن الرائحة.

عندما تتعرض الورود لظروف ملوحة مرتفعة، يتراجع تأثير MYB5، ما يؤدي إلى تراجع في لون البتلات وزيادة في إنتاج الروائح، وهو توازن يعتقد الباحثون أنه يساعد النبات على التكيف مع الإجهاد البيئي.

وأوضح تشاي في بيان صحفي: «تظهر نتائجنا كيف تتكيف الورود مع الإجهاد بطريقة ذكية؛ إذ يتحكم MYB5 في اللون والرائحة معًا، مما يعطينا أدوات مهمة لتحسين الورود مستقبلاً».

تجارب مخبرية تؤكد الاكتشاف

وللتأكد من النتائج، أجرى الفريق تجارب على نباتات تبغ معدلة وراثياً، حيث أثبتت التجارب أن جين TPS31 مسؤول عن إنتاج الروائح العطرية. وعندما تعرضت النباتات المعدلة إلى ظروف ملوحة مرتفعة، لاحظ الباحثون انخفاضًا في شدة لون البتلات مع زيادة الرائحة، في تأكيد عملي على دور MYB5 في تنظيم هذه العمليات.

كما حلل الفريق أكثر من 196 مركبًا كيميائيًا و1,363 جينًا في نبات الورد الخشن، وخلص إلى أن الفلافونويدات والتربينويدات هما المجموعتان الأكثر تأثرًا بتغير مستويات الملوحة، ما يُبرز ارتباط خصائص اللون والرائحة بشكل مباشر بقدرة النبات على التكيف.

تطبيقات واعدة في الزراعة

لا يقتصر هذا الاكتشاف على الورود فقط، بل يمكن أن يكون له تأثير واسع على قطاع الزراعة. إذ يرى العلماء أن معرفة كيفية تنظيم النباتات لتفاعلاتها مع الملوحة توفر فرصة كبيرة لتطوير أصناف زراعية تتحمل ظروف التربة الصعبة، خاصة مع تفاقم مشكلة الأراضي المالحة بسبب التغير المناخي والريّ السيء.

وأضاف تشاي: «هذه الدراسة تساعدنا على فهم كيف تتكيف النباتات مع الظروف القاسية، وتوفر خطة لتطوير محاصيل يمكنها النمو في بيئات يصعب فيها الزراعة حاليًا».

وأشار الباحثون إلى أن هذه النتائج قد تفتح الباب أيضاً لإنتاج مركبات كيميائية من النباتات لأغراض صناعية وطبية، نظرًا للأدوار المتنوعة التي تلعبها الفلافونويدات والتربينويدات في الصناعات الغذائية والدوائية.

أمل للمناطق المتضررة

تشير التقديرات إلى أن أكثر من 20% من الأراضي الزراعية حول العالم تعاني من الملوحة، ما يهدد إنتاج الغذاء ويضر بمعيشة ملايين البشر.

ويأمل العلماء أن تُسهم نتائج هذه الدراسة في إيجاد حلول مستدامة تُمكّن من استغلال الأراضي المتضررة وتحويلها إلى مساحات إنتاجية.

بهذا الاكتشاف، تؤكد الورود مرة أخرى أنها ليست فقط رمزًا للجمال والرومانسية، بل أيضاً مفتاحًا علميًا لفهم أسرار الطبيعة ومواجهة تحديات الأمن الغذائي العالمي.

قد يعجبك ايضا