لماذا لا تثق أوروبا في قرار ترامب الأخير بشأن أوكرانيا؟
رغم الخطاب الحازم الأخير للرئيس الأمريكي دونالد ترامب ضد روسيا، ما يزال حلفاء الولايات المتحدة في أوروبا يواجهون صعوبة في الثقة بتوجهات واشنطن تجاه أوكرانيا. وبينما تعهّد ترامب بزيادة الدعم الدفاعي لكييف، يرى مسؤولون أوروبيون أن السياسة الأمريكية باتت متقلبة أكثر من أي وقت مضى، في ظل إشارات متناقضة من البيت الأبيض والبنتاغون بشأن الحرب الدائرة في شرق أوروبا.
في جميع العواصم الأوروبية، يسود شعور متزايد بالتوتر والارتباك إزاء ما يبدو وكأنه تناقض صارخ في المواقف الأمريكية. ففي الأسبوع الماضي، أصدر البنتاغون أمرًا مفاجئًا بوقف تسليم دفاعات جوية ومساعدات عسكرية فتاكة إلى كييف، دون توضيح الأسباب أو إبلاغ الحلفاء مسبقًا. وبعد أيام، عاد ترامب ليؤكد التزامه بدعم أوكرانيا، متوعدًا روسيا ومعبّرًا عن استيائه من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
لكن بالنسبة لأوروبا، لا تكفي التصريحات وحدها. وقال دبلوماسي من إحدى دول حلف شمال الأطلسي (الناتو)، متحدثًا شريطة عدم ذكر اسمه: “لم يعد هناك ما يُثير الدهشة. علينا أن نكون مستعدين لأي شيء.”
غياب التواصل يزيد المخاوف
إحدى أبرز مشكلات الحلفاء الأوروبيين هي غياب قنوات اتصال مستقرة مع الإدارة الأمريكية الجديدة. إذ أشار مسؤولون أوكرانيون إلى أنهم حاولوا منذ مطلع يوليو/تموز التواصل مع وزير الدفاع الأمريكي بيت هيغسيث، بعد وقف شحنة صواريخ دفاعية وأسلحة دقيقة كانت جاهزة للشحن إلى أوكرانيا. غير أن فريق هيغسيث لم يستجب حتى الآن لهذه الطلبات، وفق مصادر مطلعة.
وقال مسؤول أوروبي آخر: “من الصعب معرفة ما يجري داخل الإدارة الأمريكية. الرئيس يبدو أكثر ثباتًا في دعمه لأوكرانيا، لكن قيادة البنتاغون ترسل إشارات مختلفة تمامًا.”
قلق من خفض القوات الأمريكية في أوروبا
يتجاوز قلق أوروبا حدود ملف التسليح. إذ تلوح في الأفق مراجعة شاملة لتموضع القوات الأمريكية في القارة، في ظل حديث عن تقليص محتمل للوجود العسكري الأمريكي في أوروبا لصالح إعادة التركيز على منطقة المحيطين الهندي والهادئ. خطوةٌ كهذه قد تترك فراغًا أمنيًا يصعب على الأوروبيين تعويضه بمفردهم، خصوصًا في مواجهة تهديدات روسيا المستمرة.
يقود إلبريدج كولبي، كبير مسؤولي السياسات في وزارة الدفاع الأمريكية، المراجعة الحالية لوضع القوات العالمية، ويتوقع إصدار توصياتها في أغسطس المقبل. ويعرف كولبي بمواقفه المتشككة إزاء جدوى الإبقاء على وجود عسكري أمريكي كبير في أوروبا، وهو ما يثير قلق العديد من الحلفاء الأوروبيين.
وأوضح مسؤول أوروبي: “الانطباع العام هنا هو أن الإدارة الأمريكية غير منسقة إلى حد كبير بشأن أوكرانيا. نشعر بأننا نحاول فقط مواكبة المزاج المتقلب في واشنطن.”
فوضى في التواصل وغياب الثقة
لم تهدأ المخاوف حتى بعد تصريحات البيت الأبيض التي شددت على أن “لا شيء أكثر ثباتًا من سياسة الرئيس ترامب الخارجية”. إذ قالت المتحدثة آنا كيلي:
“الرئيس يريد السلام في أوكرانيا وحول العالم. وبعد مراجعة من وزارة الدفاع لضمان توافق المساعدات مع المصالح الأمريكية، قرر إرسال ذخائر دفاعية إضافية إلى أوكرانيا.”
غير أن هذا التطمين لم يبدد القلق الأوروبي، خاصة في ظل تخوف بعض الدول مثل ألمانيا وبولندا وإيطاليا والمملكة المتحدة من فقدان القوات والمعدات الأمريكية المتمركزة على أراضيها.
وقد أثار وزير الدفاع الأمريكي بيت هيغسيث جدلاً منذ توليه منصبه، بعدما وضع شروطًا مسبقة لأوكرانيا للتفاوض مع روسيا خلال زيارته الأولى لأوروبا في فبراير الماضي، وهو ما أغضب البيت الأبيض وأجبره لاحقًا على تبرير تصريحاته.
وقال مسؤول أوروبي بارز: “سياسات الإدارة الأمريكية تتسم بقدر كبير من عدم القدرة على التنبؤ. إنها فوضى عارمة، وتفتقر إلى إدارة واضحة من المستويات العليا.”
أوروبا تترقب الأفعال لا الأقوال
يتناقض هذا الوضع المضطرب مع موجة التفاؤل التي أعقبت قمة الناتو في يونيو الماضي، حين أظهر ترامب انفتاحًا غير معتاد تجاه حلفائه، وأعلن دعمه لزيادة الإنفاق الدفاعي وإعادة تسليح الحلف. إلا أن الحلفاء الأوروبيين باتوا مقتنعين بأن الخطابات لا تعني شيئًا ما لم تترجم إلى أفعال ملموسة.
وقال المسؤول الأوروبي نفسه: “كان محيرًا أن نسمع ترامب يبدو متعاطفًا جدًا مع أوكرانيا في قمة الناتو، ثم نسمع أن البنتاغون يوقف إرسال الأسلحة. نأمل أن يُستأنف الدعم قريبًا، لكننا لا نثق بما سيحدث غدًا.”
ومع تزايد التقارير عن احتمال تخفيض التزام واشنطن العسكري في أوروبا، يترقب حلفاء الولايات المتحدة ما ستسفر عنه قرارات ترامب التالية، وسط شعور متزايد بأن مستقبل أمن أوروبا بات رهينةً لقرارات متقلّبة تصدر من البيت الأبيض.